كنت أتوقع من أمها و من شقيقها الضجر والضيق أو على الأقل مقابلتهم بوجه يكسوه الحزن والقلق أو شعور انهم يبذلون كل ما يبذلون معها على سبيل أداء الواجب وعدم الإحساس بالتقصير معها! هي اثنتا عشر عاما ابتليت بعدة أمراض تدخل علي مع والدتها قصيرة القامة منتفخة شاحبة الوجه ورغم كل هذا يلمع في عينيها بريق مميز ؛يبدو من مشيتها أنها تعاني أيضا شيئا بالعظام أو الأعصاب لكن ما لاحظته أثناء دخولها أكثر من مشيتها هو وجهها المنتفخ الشاحب؛وضعتها امها على سرير الكشف وبدأت بسرد شكوتها وأول ما بدأت: شيماء بتغسل كلى ونفسها بقاله فترة مضايق وقالولنا لازم دكتور قلب يشوفها وبسؤالها عن تفاصيل في حالتها اتضح أن الأم غير المتعلمة في الغالب تحفظ كل التفاصيل وكل الأدوية وبسؤالها عن مشيتها حكت لي سلسلة من الجراحات وهي صغيرة حتي قبل مشاكل الكلى وبالكشف ومناظرة الفحوصات اتضح أن هذه الجميلة تعاني أيضا من ضعف في عضلة القلب ؛حاولت تلطيف هذا الجو ببعض الكلمات معها وتبادل بعض الحديث القصير فإذا بصوتها ؛صوت ملائكي ينبض بالحياة ويأتي صوت من خلفية صوتها كأنه موسيقي تصويرية صممت من أعظم الموسيقيين ولكنه صوت امها العظيمة : شيماء شاطرة يادكتور وبتحفظ قرآن وحافظة 3اجزاء؛هنا تكسو وجه شيماء ابتسامة رقيقة ممزوجة بالفخر تلاشت معه كل علامات الشحوب على وجهها وهي فرحة ممنونة بكلمات امها وهي تفتخر بها ؛هنا تركت تركيزي كطبيب لحظات من الزمن وتأملت هذه اللحظة الإنسانية العظيمة بعين انسان غمرته مشاعر مختلطة من الإعجاب والسعادة في وسط أمواج متلاطمة من الحزن والمرض ؛ اعتقد ان شيماء وامها هم من افادوني وعالجوني عكس ما قد أتوا هم له ؛ إلى هنا وهذه مشاعر فطرية من ام تشبثت بفطرتها واهتمامها بفلذة كبدها وقطعة منها ؛حتى أنها بعدما ذهبت جلست بعض الوقت افكر في بيت شيماء وكيف يعيش إخوتها مع ام تترك لهم البيت ثلاثة ايام بالاسبوع هذا غير لحظات الانين بالليل والتوجع ليفاجئني اخوها في الزيارة الثانية بكم كبير من الحنان على أخته واهتمام يفوق اهتمام أمه وإذا بصوت يخرج من أعماقه بالله عليك يادكتور خللي بالك منها دي فاكهة البيت؛ يا الله كم من أمثال شيماء انهكهم الإهمال والضجر أكثر من المرض ؛شتان بين الاهتمام بحب وبين الاهتمام من قبيل أداء الواجب.
شبكة مستقبل مصر
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!
مع اطيب التمنيات.
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق