غير مصنفمقالات

البعد الاستراتيجي للأزمة اليمنية على مصر

بقلم: حميدو حامد صقر
عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية
والباحث بالقانون الدولي الإنساني.

مقدمة

لا يمكن فهم تعقيدات الأزمة اليمنية بمعزل عن موقع اليمن الجيوسياسي، ولا عن أطماع القوى الإقليمية والدولية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر. فهذه البقعة التي تبدو بعيدة عن قلب القاهرة، هي في الحقيقة على تماس مباشر مع المصالح الحيوية للدولة المصرية، بدءًا من أمن قناة السويس وحتى توازنات الأمن الإقليمي.

أولاً: الموقع الجغرافي اليمني – تهديد محتمل لأمن البحر الأحمر

يشكل اليمن الضلع الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية، ويمتلك شريطًا ساحليًا طويلًا على البحر الأحمر، ويتحكم فعليًا في مضيق باب المندب. وهذا المضيق يمثل بوابة عبور أساسية لقناة السويس التي تمر بها قرابة 10% من التجارة العالمية.

في ظل سيطرة جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، على أجزاء كبيرة من شمال اليمن، وتكرار الهجمات على السفن التجارية، خاصة في العامين الأخيرين، أصبح من الواضح أن الأزمة اليمنية لم تعد صراعًا داخليًا، بل مصدرًا مباشرًا لتهديد الملاحة الدولية، ومنها الملاحة المصرية.

ثانيًا: الأمن القومي المصري وأزمة البحر الأحمر

إن ارتباط الأمن القومي المصري بالبحر الأحمر ليس جديدًا، بل هو جزء من العقيدة الاستراتيجية للدولة منذ عقود. وكانت مصر قد خاضت حربًا في اليمن في الستينيات، ليس فقط دعمًا للثورة اليمنية، ولكن لحماية جبهتها الجنوبية ومصالحها في الممرات الدولية.

وفي السنوات الأخيرة، ومع تصاعد تهديدات الحوثيين في البحر، نشرت مصر وحدات من أسطولها الجنوبي لتأمين الملاحة عند مدخل باب المندب. هذا الانتشار العسكري المحدود، ولكنه دقيق، يعكس ما يمكن تسميته بـ”الردع الوقائي”، ويعبر عن رؤية مصر بأن أمن اليمن هو امتداد طبيعي لأمنها القومي.

ثالثًا: التحدي الإيراني واستراتيجية التوسع عبر اليمن

تسعى إيران عبر دعم الحوثيين إلى بسط نفوذها على الممرات المائية الحيوية، من الخليج إلى البحر الأحمر. هذا التمدد يعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي، ويضع مصر أمام تحدٍ استراتيجي خطير، فوجود كيان موالٍ لطهران في صنعاء يوازي تهديدًا على حدودها المائية.

بل إن بعض التقارير تؤكد وجود خطوط تهريب أسلحة ومخدرات من اليمن إلى القرن الإفريقي، ومنها إلى سيناء. وهذا يضيف بُعدًا أمنيًا داخليًا للأزمة، لا يتعلق فقط بالملاحة، بل بالأمن الوطني المباشر.

رابعًا: الموقف المصري – بين الحياد والانخراط الدفاعي

اتبعت مصر منذ اندلاع الأزمة سياسة “الحياد الإيجابي”، فدعمت الشرعية اليمنية لكنها لم تنخرط بقوات برية في التحالف العربي. ومع ذلك، بقيت القاهرة حاضرة دبلوماسيًا وعسكريًا بشكل محدود، خاصة في العمليات البحرية.

ويرى مراقبون أن مصر تراهن على حل سياسي شامل في اليمن، يضمن استقرار الحدود البحرية ولا يفتح جبهات عسكرية جديدة تستنزف الجيش المصري، خاصة في ظل التوترات مع إثيوبيا وليبيا.

خامسًا: الدروس المستفادة والخيارات المستقبلية

تعلمت مصر من تجربتها التاريخية في اليمن، أن الانزلاق إلى حروب طويلة الأمد في بيئات معقدة لا يخدم مصالحها. لذلك فإن التحرك المصري اليوم أكثر حذرًا، وأكثر تركيزًا على حماية المصالح لا تغيير الأنظمة.

وفي المستقبل، من المرجح أن تعتمد مصر على:

تعزيز وجودها البحري جنوبًا.
توسيع تعاونهاالاستخباراتي مع
دول الخليج والقرن الإفريقي.

المساهمة في إعادة إعمار اليمن كوسيلة لكسب النفوذ الناعم بعد انتهاء الحرب.

خاتمة

إن الأزمة اليمنية ليست مجرد صراع بين الحوثيين والحكومة الشرعية، بل هي نقطة التقاء لصراعات النفوذ في المنطقة. ولمصر، التي تطل على أحد أهم شرايين العالم البحرية، لا يمكن أن تكون هذه الأزمة بعيدة عن مجالها الحيوي.
فكلما طال أمد الحرب في اليمن، ازدادت الحاجة إلى دور مصري أكثر فاعلية ووضوحًا، لحماية الأمن الإقليمي من الانهيار، ولضمان استمرار الملاحة الآمنة في البحر الأحمر، شريان الحياة المصري الأول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى