تقارير مصريةغير مصنفمقالات

الوجود المصري في منطقة القرن الأفريقي: رؤية استراتيجية في ضوء قيادة سياسية واعية وتكامل اقتصادي عبر الكوميسا

بقلم: حميدو حامد صقر
عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية والباحث بالقانون الدولي الإنساني.

مقدمة

يمثّل القرن الأفريقي أحد أهم المسارح الجيوسياسية في إفريقيا، لا سيما لموقعه الحيوي المتحكّم في بوابة البحر الأحمر وباب المندب. وفي هذا الإطار، لم يعد الحضور المصري خيارًا، بل ضرورة وجودية، تعمل على ترسيخه القيادة السياسية المصرية برؤية استراتيجية تجمع بين الدبلوماسية الرصينة والتكامل الاقتصادي الإقليمي، خاصة من خلال تفعيل أدوات مثل السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا)، التي ترأسها مصر منذ عام 2021.

أولًا: القرن الأفريقي في فكر القيادة السياسية المصرية

منذ تولّي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، اتجهت السياسة الخارجية المصرية نحو إفريقيا كمجال حيوي مركزي. وتمثلت معالم هذه الرؤية في:

توسيع الشراكات الأفريقية، لتشمل ملفات التنمية، والمياه، والطاقة، والنقل، والأمن.

تكثيف الحضور الدبلوماسي والاقتصادي في منطقة القرن الأفريقي، عبر دعم سياسي مباشر لحكوماتها، وزيارات رئاسية ومؤتمرات مشتركة.

ربط أمن البحر الأحمر بأمن مصر القومي، باعتبار أن أي اضطراب في باب المندب يُهدد مصالح مصر الاستراتيجية.

ثانيًا: الكوميسا أداة مصرية لتحقيق التكامل الاقتصادي والتأثير الإقليمي

ترأست مصر قمة الكوميسا في 2021، وأعلنت حينها رؤية طموحة لتحقيق:

تعزيز التبادل التجاري بين دول الإقليم، من خلال إزالة الحواجز الجمركية، وتطوير البنية التحتية العابرة للحدود.

الربط اللوجستي والبري والنهرى، وهو ما يخدم مصر بشكل مباشر في توسيع نفوذها التنموي باتجاه دول حوض النيل والقرن الأفريقي.

تشجيع الاستثمارات المصرية في مجالات الزراعة والطاقة والتعدين، خاصة في الصومال وإريتريا وأوغندا.

الانخراط في مشاريع قارية مثل مشروع الربط الكهربائي الإقليمي، والنقل العابر للحدود، والذي يربط موانئ شرق إفريقيا بقناة السويس.

ثالثًا: القيادة السياسية المصرية والتوازن في معادلة النفوذ الإقليمي

في ظل وجود قوى طامعة مثل:

تركيا التي تمتلك قواعد عسكرية في الصومال.

إيران التي تسعى لزرع وكلاء مسلحين على تخوم البحر الأحمر.

إسرائيل التي تراقب الملاحة والوجود البحري عبر تحالفات أمنية مع بعض دول القرن.

برزت مصر كقوة متزنة، تسعى للحفاظ على استقرار المنطقة من دون التدخل المباشر في النزاعات، لكنها تحشد أدوات القوة الشاملة (السياسية، الاقتصادية، الثقافية والعسكرية) لحماية مصالحها.

رابعًا: إنجازات ملموسة بقيادة مصرية فاعلة

افتتاح قنصلية مصرية في جيبوتي، وتوقيع اتفاقيات أمنية واقتصادية معها، ما يدعم الوجود المصري قرب مضيق باب المندب.

تفعيل التعاون مع السودان وجنوب السودان، في ملفات الأمن المائي والطاقة والربط البري.

دعم صومال موحد من خلال تدريب كوادره في الجامعات المصرية، ومساندته في المحافل الإقليمية.

التعاون الوثيق مع أوغندا وكينيا في قضايا المياه، عبر دبلوماسية ذكية لا تثير حساسيات دول المنبع.

خامسًا: التكامل بين الرؤية الأمنية والتنموية

بفضل القيادة السياسية الحالية، لم تقتصر السياسة المصرية في القرن الأفريقي على أبعاد أمنية أو ردعية، بل اتجهت نحو:

فتح الأسواق المصرية أمام المنتجات الإفريقية، خاصة الحاصلات الزراعية.

تطوير موانئ بديلة ونقاط لوجستية بالشراكة مع إريتريا وجيبوتي، تحسبًا لأي تهديد محتمل للملاحة.

بناء بنوك أفريقية وتمويل مشروعات في البنية التحتية، بما يدعم مكانة مصر كمركز مالي إقليمي.

سادسًا: التحديات المستمرة وسبل المواجهة

لا تزال هناك تحديات تستوجب المتابعة:

تصاعد التنافس الدولي على موانئ القرن.

هشاشة بعض الأنظمة السياسية وضعف الاستقرار.

مخاطر الإرهاب العابر للحدود والقرصنة البحرية.

غير أن الرؤية المصرية تستند إلى الصبر الاستراتيجي، والتحرك المتوازن، وتوظيف الأدوات الإقليمية والدولية لصالح أمن واستقرار المنطقة.

خاتمة

حقيقة ولا أطيل علي حضراتكم . إن القيادة السياسية المصرية في عهد الرئيس السيسي أظهرت وعيًا استراتيجيًا مبكرًا بأهمية القرن الأفريقي، ليس فقط كتهديد محتمل، بل كفرصة حقيقية لتعزيز الحضور المصري في إفريقيا. وتأتي الكوميسا كمنصة مؤسسية تُترجم هذا الحضور إلى واقع اقتصادي يخدم مصر وشعوب الإقليم معًا.

لم تعد مصر تُدير ظهرها للقارة، بل عادت بثقلها الكامل، مدفوعة بوعي قومي، وخبرة سياسية، وشراكات ممتدة، وهدفها: أمن واستقرار إفريقيا، ونهضة مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى