
دهشام محفوظ
2020/3/7
7رمضان 1446هـ
تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة بشأن الأزمة الروسية الأوكرانية تعكس القلق الأوروبي المتزايد بشأن الاستقلال الاستراتيجي للقارة في ظل تصاعد التوترات الدولية، لا سيما في ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية والتحديات الأمنية التي تواجه أوروبا. حين يقول ماكرون: “مستقبل أوروبا لا يمكن أن تقرره أمريكا، ومستعدون لكل السيناريوهات مع أمريكا أو بدونها”، فإنه يوجه رسالة واضحة بأن أوروبا لم تعد ترى نفسها مجرد تابع للسياسات الأمريكية، بل تسعى إلى تعزيز استقلالها الاستراتيجي، سواء كان ذلك بالتنسيق مع واشنطن أو دونها.
ويزداد هذا التوجه وضوحًا مع تحذيره من أن “البقاء في موقع المتفرج في هذا العالم الخطير هو جنون”. هذه الجملة تعكس إدراكًا أوروبيًا متزايدًا بأن الأمن العالمي يمر بمرحلة حرجة، حيث لم يعد مقبولًا أن تعتمد القارة على قرارات تأتي من خارجها، خاصة في ظل احتمال تغير الإدارة الأمريكية وما قد يحمله ذلك من تأثير مباشر على دعم أوكرانيا وموقف الناتو من روسيا.
ومن هنا، تبرز ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، وهو ما يفسر تصاعد الحديث عن تكوين تحالفات عسكرية داخلية مثل “المجموعة الأوروبية الدفاعية”. ورغم أن الناتو لا يزال القوة العسكرية المهيمنة، فإن تصريحات ماكرون تعكس اتجاها أوروبيًا متناميًا نحو إيجاد بدائل تضمن لأوروبا موقفًا مستقلًا، خاصة في ظل التوترات المتزايدة سواء في أوروبا أو في مناطق أخرى مثل بحر الصين الجنوبي والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
حين يصف ماكرون حالة الترقب بأنها “جنون”، فإنه لا يدعو فقط إلى تحرك أوروبي أكثر حسمًا تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، بل يوجه رسالة أشمل تتعلق بمكانة أوروبا في النظام الدولي الجديد. في عالم يشهد إعادة تشكيل لمراكز القوى، لم يعد مقبولًا أن تبقى أوروبا مجرد ساحة لصراعات القوى الكبرى، بل عليها أن تلعب دورًا فاعلًا في تحديد مستقبلها ومصالحها الاستراتيجية.
والسؤال الآن عن مستقبل السلام في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط.
أرى أنه يتوقف على العديد من العوامل المرتبطة بتوازن القوى الدولية، والصراعات الإقليمية، ومدى استعداد الدول للانخراط في حلول سياسية بدلاً من المواجهات العسكرية. تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا تعكس جزءًا من هذا المشهد، حيث تتغير مراكز النفوذ العالمي، ويتجه العالم نحو إعادة تشكيل تحالفاته.
العالم يشهد تحولات متسارعة مع تصاعد التوترات بين القوى العظمى، وظهور أزمات قد تعيد تشكيل النظام الدولي. النزاعات المستمرة في مناطق مختلفة، من أوروبا إلى آسيا، تعكس صعوبة تحقيق استقرار دولي حقيقي. ومع ذلك، يبقى التعاون الاقتصادي والتحالفات الدبلوماسية أدوات يمكن أن تسهم في الحد من التوترات ومنع اندلاع مواجهات جديدة.
الشرق الأوسط – أرض الأديان الثلاثة – يظل منطقة استراتيجية بالغة الأهمية، لكنه أيضًا يواجه تحديات مستمرة بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تجعله عرضة للصراعات المتكررة. أبرز القضايا التي تؤثر على السلام في المنطقة تشمل:
الأزمات الداخلية والنزاعات المسلحة: بعض الدول في المنطقة تعاني من صراعات داخلية أدت إلى تراجع الاستقرار، مثل الأزمة في السودان، حيث يستمر الصراع بين القوى المتناحرة، مما يفاقم الأزمة الإنسانية ويعطل فرص التوصل إلى حلول سياسية.
التحولات في موازين القوى الإقليمية: هناك محاولات من بعض الدول لإعادة تعريف أدوارها في المنطقة عبر تحالفات جديدة، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية. هذه التحولات قد تسهم في بناء توازن جديد، لكنها أيضًا تحمل مخاطر التصعيد إذا لم يتم توجيهها نحو استراتيجيات تدعم الاستقرار.
التدخلات الخارجية: القوى الدولية تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد مسار الأزمات في الشرق الأوسط، حيث تتدخل بعض الدول لدعم أطراف معينة أو تحقيق مصالحها الاستراتيجية، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويجعل السلام أكثر صعوبة.
رغم التحديات المستمرة، هناك بعض العوامل التي قد تساهم في تحقيق الاستقرار:
الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية: بعض الدول تحاول تقديم مبادرات لحل النزاعات، مثل الوساطات العربية في أزمات المنطقة، ومن بينها جهود الدبلوماسية المصرية ، والجهود الأوروبية لتعزيز الأمن والاستقرار عبر التعاون مع دول الشرق الأوسط.
التعاون الاقتصادي وإعادة الإعمار: بعد سنوات من النزاعات، أصبحت هناك رغبة متزايدة في بعض الدول لتوجيه الجهود نحو التنمية بدلاً من الصراع، وهو ما يمكن أن يكون مدخلًا للسلام والاستقرار المستدام وذلك هو المنحى الدبلوماسي السياسي المصري، وليتهم يسمعون !.
إرهاق الشعوب من الحروب: مع استمرار الأزمات لفترات طويلة، هناك مؤشرات على أن العديد من المجتمعات أصبحت أكثر رغبة في إنهاء النزاعات وإعادة بناء دولها، مما قد يدفع الحكومات نحو حلول سياسية أكثر استدامة.
ولعل في مراجعة تصريحات روسيا على لسان وزير خارجيتها والرئيس بوتين ما يؤكد هذه الرغبة ، ولكن بما لا يترك في النفوس أى درجة من درجات القلق على مستقبل التنمية والاستقرار في روسيا .
الشرق الأوسط، كذلك ، باعتباره أرض الأديان والحضارات، بحاجة إلى تبنّي نهج استراتيجي نحو السلام، يعتمد على الحلول السياسية والتنمية الاقتصادية بدلاً من الصراعات المستمرة. بقدر ما تمثل التحديات الإقليمية والدولية عائقًا أمام تحقيق الاستقرار، فإن هناك أيضًا فرصًا يمكن استغلالها لبناء مستقبل أكثر استقرارًا، شرط أن تتوافر الإرادة السياسية الحقيقية لإنهاء الأزمات والتوجه نحو حلول مستدامة حتى لا تطل برأسها مبررات اندلاع حرب عالمية ثالثة ، الجميع يتخوف من اندلاعها .
ومن ثم ، فالسؤال الآن هو:إلى أي مدى يمكن أن يذهب العالم نحو حرب عالمية ثالثة؟
العالم يعيش في مرحلة حساسة حيث تصاعد التوترات بين القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وهذا يجعل فكرة اندلاع صراع عالمي جديد أكثر تداولًا في الأوساط الاستراتيجية. ومع ذلك، فإن الحرب الشاملة لا تزال مستبعدة إلى حد ما ، بسبب التوازن النووي الرادع بين القوى الكبرى، والذي يجعل أي مواجهة مباشرة مكلفة للغاية.
لكن الخطر الحقيقي يتمثل في الحروب بالوكالة التي يمكن أن تتوسع تدريجيًا لتشمل أطرافًا دولية أوسع، كما هو الحال في النزاع الروسي الأوكراني، والتوترات في بحر الصين الجنوبي، والنزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط. إذا لم يتم احتواء هذه الأزمات من خلال قنوات دبلوماسية فعالة، فإن احتمال التصعيد يزداد.
ما قد يدفع العالم نحو حرب عالمية هو انهيار الاتفاقيات الأمنية الكبرى، أو حدوث استفزاز عسكري لا يمكن احتواؤه بسهولة، أو تزايد التوترات الاقتصادية التي قد تدفع بعض الدول إلى خيارات عسكرية لتعزيز نفوذها. لكن في الوقت الراهن، لا يزال العالم يراهن على الحلول الدبلوماسية، رغم هشاشتها، لمنع انزلاقه إلى صراع شامل .
من مصر نقرأ ونناقش هذه الأحداث باهتمام بالغ؛ لأن مصر ليست جزيرة معزولة عن العالم، بل هي دولة محورية في قلب التفاعلات الدولية، تؤثر وتتأثر بما يحدث حولها. إن قراءة المشهد العالمي وتحليل موازين القوى ليس رفاهية، بل ضرورة لفهم موقعنا في هذا العالم المضطرب.
عندما يتحدث ماكرون عن استقلال أوروبا الاستراتيجي، فهو يعكس واقعًا جديدًا يتشكل، قد يؤثر على التوازنات الدولية، وعلى علاقات مصر بأوروبا والولايات المتحدة وروسيا. وعندما نرصد تحولات الشرق الأوسط، فإننا لا نفعل ذلك من باب التسلية الفكرية، بل لأن استقرار هذه المنطقة يعني استقرار مصر، وأي توتر فيها ينعكس علينا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
مصر- أيها السادة – ليست متفرجًا على المسرح الدولي، بل لاعبٌ أساسي، سواء في الدبلوماسية، أو في التوازنات الإقليمية، أو حتى في صناعة السلام. حين تتحرك القوى العظمى في صراع بارد أو ساخن، فإن علينا أن نقرأ المشهد بوعي، لندرك أين تتجه الرياح، وكيف نحمي مصالحنا ونوظف إمكانياتنا.
ثم إن فهمنا لهذه القضايا لا يقف عند حدود السياسة الخارجية فقط، بل يرتبط أيضًا بتأثيرها على الداخل المصري. ماذا يعني لنا أن تزداد التوترات بين روسيا وأوروبا؟ ماذا يعني تحول الصين إلى قوة عالمية كبرى؟ كيف تؤثر النزاعات في السودان أو ليبيا أو غزة على الأمن القومي المصري؟ كيف تنعكس هذه التحولات على الاقتصاد المصري، والاستثمار، وأسعار الطاقة والغذاء؟
القراءة والنقاش ليسا ترفًا، بل هما أداة للبقاء، سلاح الأمم الواعية. فالجهل بما يدور حولنا يتركنا عرضة للتقلبات دون أن ندرك كيف نحمي أنفسنا أو نحقق مصالحنا. مصر دولة ذات حضارة ممتدة، لم تكن يومًا منعزلة عن محيطها، والتاريخ يشهد أنها دائمًا ما كانت في قلب الأحداث، تصنع وتؤثر، والقمة العربية التي كانت على أرض مصر منذ يومين ليست ببعيدة، وأرجو أن ينظر العالم بكل التقدير والوعي للخريطة التي اقترحتها مصر بشأن إنهاء القلق في المنطقة لإحلال السلام والإعمار والاستقرار.
فليستيقظ الجميع، وليقرأوا جميعهم، ويفكروا، ويتناقشوا، حتى لا يكونوا وقودًا لصراعات لا يفهمون جذورها، ولا أدوات في أيدي قوى لا تعنيها سوى مصالحها!
أيها الكبار، أعني زعماء الدول العظمى في عالمنا ، أفيقوا يرحمنا ويرحمكم الله لا تمنحوا الشيطان فرصة أن يشمت في بني الإنسان!
دهشام محفوظ
2020/3/7
7رمضان 1446هـ