علماء أحيوا حيوانات بعد موتها.. ما الفائدة؟ وهل قضينا على الموت؟
في 2019، أعلن فريق من الباحثين نجاح تجربة نادرة: إعادة إحياء دماغ الخنزير الميتة.. استعادوا الوظائف الخلوية التي – وفق قوانين الطبيعة – كان يفترض أن يقضي عليها الموت تمامًا.
الآن، ولأول مرة في تاريخ البشرية، أعلن نفس الفريق تكرار النجاح على نطاق أكبر: إحياء جميع أعضاء الخنزير بعد الموت.
ماذا حدث؟ وهل يعني ذلك القضاء على الموت؟
إعادة إحياء الجسد بالكامل!! ماذا حدث بالضبط؟
في ورقة بحثية نُشرت في مجلة نيتشر، وصف فريق علمي من جامعة ييل كيف أكملوا عملية إعادة إحياء الجسد بالكامل في خنازير ميتة.
هذا لم يتوقف على إعادة بث الحياة في الأنسجة والأعضاء، بل شمل إعادة تشغيل الخلايا والتأثير عليها وراثيًا لإصلاح نفسها.
هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها العلماء إعادة إحياء أعضاء الجسم دفعة واحدة.
هل هذا ممكن أصلًا؟
نعم. لكن، سنبسط الأمر أكثر:
للبقاء حية، تحتاج الخلايا إلى تيار مستمر من الأكسجين المنقول مع الدم.
إذا تعطل تدفق الدم، ينهار النظام، فتموت الخلايا في غضون دقائق.
عملية إعادة الإحياء هنا تحتاج إعادة ضخ الإكسجين إلى العضو الميت.
طالما أن الأمر بهذه السهولة.. لماذا تضخيم الموضوع؟
قد تبدو إعادة إدخال الأكسجين إلى عضو ميت أو يحتضر حلًا سهلًا، لكنه ليس كذلك.
بحسب ديفيد أندريجيفيتش، عالم الأعصاب في كلية الطب بجامعة ييل، عندما يتوقف القلب عن النبض، تبدأ الأعضاء في الانتفاخ. ليؤدي التورم إلى انهيار الأوعية الدموية. تتوقف الدورة الدموية، فتتلف الأنسجة.
ولأن تعويض الآثار الضارة للحرمان من الأكسجين أساسي، كان المعيار الذهبي فيما مضى هو استعادة الأعضاء بأسرع ما يمكن بعد الموت، ووضعها في ما يسمى بالتخزين البارد الثابت، والذي يحافظ على الأعضاء “حية” وقابلة للحياة من خلال إبطاء احتياجاتها الأيضية.
في ما مضى أيضًا، لم يكن تخزين العضو لأجل غير مسمى؛ لأنه سيفقد صلاحيته في مرحلة ما. لكن العلماء ابتكروا تقنيات مثل نضح آلة حرارية طبيعية خارج الجسم الحي، حيث يمكن الاحتفاظ بالأعضاء في حالة “دافئة” وإطعامها مزيجًا مستمرًا من الدم والعناصر الغذائية الأخرى.
هذا كان ناجحًا في إعادة الحياة للأعضاء الفردية. لكننا الآن نتحدث عن إعادة إحياء الجسد بالكامل، وهذا كان يبدو مستحيلًا؛ لإن إصلاح الضرر في النظام بالكامل كان عسيرًا.
وكيف أمكن حل تلك المعضلة إذن؟
في تجربة إحياء دماغ الخنازير المذبوحة “BrainEx”، اعتمد باحثو جامعة ييل طريقة جديدة أسموها Lazarus-esque تتضمن ربط الأوعية الدموية الحاسمة بجهاز ضخ لمدة ست ساعات، ينقل سائلًا معدًا خصيصًا يحتوي على هيموجلوبين اصطناعي “Hemopure” يوصل الأكسجين إلى خلايا الدم الحمراء، ومغذيات مثل الجلوكوز، والمضادات الحيوية، وأدوية أخرى تمنع تخثر الدم وموت الخلايا.
نجحت تجربة BrainEx، ووجد الباحثون أن الأنسجة العصبية عادت للحياة.
ما المقصود بـ “عادت للحياة” هنا؟
ليس بالضبط ما فهمت. الخلايا لم تستعد الوعي، لكنها لم تتحلل بنيويًا كما يفترض، وعادت للعمل “تقنيًا” كما لو لم تكن ميتة.
هذا للدماغ. لكنكم قلتم أن هذا كان مستحيلًا للجسد بالكامل.. ماذا تغير؟
بتشجيع من نتائج إحياء الدماغ، واصل الفريق تطوير BrainEx ليتكيف للعمل مع كامل الجسم. وليناسب الهدف الجديد، اسموا التجربة الجديدة “OrganEx”
أخذوا ستة خنازير ميتة، وتركوا الجثث لمدة ساعة بعد الموت لترك الطبيعة تأخذ مجراها.
بعدها ضخوا السائل الخاص في جسد الخنازير لست ساعات.
والنتيجة: لم يكن OrganEx قادرًا فقط على تدوير الأكسجين والدم وعكس الموت، بل نجح في إبقاء الأنسجة في الأعضاء في القلب والرئتين والكبد والكلى والبنكرياس سليمة، وأظهرت الخلايا أنها نشطة التمثيل الغذائي.
أظهر OrganEx كذلك نجاحًا في منع خلايا الخنازير من تعطيل المفاتيح الالتهابية التي تؤدي إلى موت الخلايا، وتنشيط الجينات المشاركة في إصلاح الحمض النووي والتمثيل الغذائي، ومنع مساري الموت والإصابة تمامًا.
هذا عن الخنازير.. ماذا عن البشر؟
ستصل تجربة إعادة إحياء الجسد بالكامل للبشر مستقبلًا بالتأكيد.
لكن، لا يزال إثبات المفهوم بحاجة إلى مزيد من البحث قبل أن يمكن تطبيقه على البشر، وهذا يواجه – كالعادة – التساؤلات الأخلاقية المعتادة.
وما أهمية هذه التجارب أصلًا؟
أكبر قطاع سيستفيد من هذه الدراسة هو قطاع التبرع بالأعضاء. إن اكتملت التجربة، فهذا يعني أننا سنملك مخزونًا ضخمًا من أعضاء الموتى الصالحة للتدخل في أي وقت لإنقاذ مريض من الموت.
بجانب ذلك، فالتقنية ستكون صالحة لإصلاح الضرر الناجم عن الانقطاعات في الأكسجين، مثل النوبة القلبية، أو السكتة الدماغية، أو حالات الطوارئ الأخرى..
إعادة إحياء الجسد بالكامل
هل يعني ذلك أن البشرية ستقضي على الموت؟
بسبب اللوائح الأخلاقية، لا ينجح الباحثون في إجراء تجارب أطول. وبالتأكيد، فمحاولة تجربة أي طريقة لاستعادة الوعي أقرب للمستحيل حاليًا.
لكن، في التجربة الأخيرة، أخذ الباحثون عينات من أنسجة المخ ووجدوا أنه حتى بعد أسبوعين، لا تزال الخلايا المعالجة تعمل بكفاءة.
لكن “مجددًا” مثل هذه التجارب تساعد الأطباء كثيرًا في مواجهة آثار الشيخوخة على جسم الإنسان. وإن لم تنجح – حتى الآن على الأقل – في استعادة الحياة إلى الأموات، فإنها تثبت نجاحًا في تمكين الأحياء من العيش لفترة أطول.