ثقافة وفنونمختارات

وعودك فى الخيال… قصة قصيرة

بقلم عادل رفاعي

جلسنا على الرمال فى مواجهة شمس الشتاء الدافئة ، أسندنا ظهورنا إلى جدار الكشك الخشبى ، أمامنا تمتد الصحراء بلا نهاية وإلى يميننا مظلة من الخيش مستندة على أربعة عروق من الخشب تحتها برميل صدئ و قصعة مونة بداخلها راكية الخشب المشتعل وبراد أسود .. أمام المظلة أكوام من الرمل والزلط وعدة حفر تبرز منها قواعد خرسانية لم تكتمل ، يرفع عوض صوته طالبا الشاى من الخفير عم حنا ثم يخرج سيجارتين من جيبه قائلا :

السيجارة بقرشين صاغ .. المكوجى ابن الحرامية !!

أرفع أصبعى إلى شفتى محذرا ومشيرا إلى الكشك خلفنا المقسوم بحائط رأسى إلى جزئين أحدهما للترزى والآخر للمكوجى ، تحين الساعة الخامسة وينطلق صوت أم كلثوم من خلف الجدار الخشبى بينما يناولنا عم حنا كوبين صغيرين من الشاى ، يرفع عوض عينه سائلا :

أنت منين يا عم حنا ؟ فيرد باقتضاب بصوت كالفحيح :

من الصعيد ..

– لا والله صحيح ؟ من الصعيد ؟

يضحك عم حنا وتظهر أسنانه الطويلة بشكل غير معتاد

– أيوة من الصعيد .. هكون منين يعنى ؟

يتضح ألا أمل فى مواصلة الحديث فيسكت عوض

منصتا لأم كلثوم

ليالى فى هواك أسهر وأفكر .. ومهما قلت لك فى القلب أكتر

يمر الوقت وينظر إلى ساعته قائلا

– باقى ربع ساعة .. فأسكته قائلا اسمع ، وننصت

وعودك فى الخيال غالية عليا .. وأجمل من حقيقة بين إيديا

و أصدق كل كلمة قلتها لى .. وأكدب فى هواك ظنى وعينيا

ونقول فى صوت واحد .. اللــــــه

وننتبه فجأة .. لم يبق إلا خمس دقائق وعلينا اللحاق بالطابور وقبلها تلميع البيادة فقمنا مسرعين لأدوس فى الماء المتناثر حول البرميل فالتقط ورقة جريدة قديمة من الأرض فأمسح بها البيادة ، ننطلق بعدها محتمين بعنابر النوم لنلحق بالطابور من الصفوف الخلفية .. يبدأ الطابور فى السادسة مساء ويظهر الضابط النوبتجى ويتهامس الواقفون فى قلق أعوذ بالله (بوز الإخص) ، يقف الضابط أمام الطابور ويرتفع صوته

المستفز محذرا من المخالفات ومهددا بتوقيع أشد الجزاءات على من يرتكبها .. ثم يمر للتفتيش و يبدى الملاحظات ويوزع الجزاءات .. ويقترب رويدا حتى يقف فى مواجهتى

لثوان ثم يقول :

بيادتك وسخة ليه ؟ فأنظر إليها فإذا بها قد جفت ولكن ورقة الجرائد المبتلة قد تركت فوقها خطوط طولية من الطين الجاف ! قال بهدوء :

حبس خميس وجمعة .

آه يابن .. صدق من سماك بوز الإخص .. أخذت أترقب ما سيفعله مع عوض ، المفروض أن يحبس مثلى .. ولكن عوض أفلت من الحبس .

فى العشاء يقول عوض :

ولا يهمك ، قاعد معاك ، الميزانية لا تسمح بالسفر للبلد والعودة .

عصر يوم الجمعة يجتمع المحبوسون فى العنابر ، المعسكر هادئ والموجودون يتحركون فى حرية ، يلتف بعض المحبوسين حول عوض مطالبينه بالغناء كعادته فينطلق صوته الحاد :

ياللى نسيت الود .. ياللى غيابك طال

قرب وصون الود .. ليفرحوا العزال

ماتقولش كنا وكان .. ده كان حنان فى حنان

ونرجع زى زمان .. ده كان جنان فى جنان

تقترب الساعة من الخامسة فأقوم مغادرا العنبر

يشير لى عوض متسائلا فأرد :

إلى المكوجى ..

**********

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى