مختارات

رواية / في الساعة الخامسة والعشرون !

– الاغتراب و القيم  في الساعة الخامسة والعشرون

– الاغتراب عن الذات  :

ما هو الاغتراب  عن الذات و متى يحدث؟  {{إن الجواب الذي يقدمه (كارل ماركس) عن هذا السؤال، بسيط جداً؛ إذ يقول: إن الاغتراب عن الذات إنما يتحقق عندما لا يعود الإنسان مدركاً لقيمة العمل الذي يقوم به. ولكي نفهم هذا الجواب علينا أن ندرك أن “العمل” بالنسبة إلى (ماركس) يمثل المسار الذي يعمد الإنسان من خلاله إلى إبراز نفسه وإثبات وجوده في هذا العالم، بل إن الإنسان في الأساس لا يمكن له أن يدرك ذاته في الارتباط بعالمه إلا من طريق العمل. وبعبارة أدق: إن العمل هو الذي يحدّد “الوجود”  فمثلًا: إن الفلاح طبقاً لمقتضى مهنته يقيم علاقة مع الزمن والأرض وسائر الأفراد. فهو يعلم أن عليه أن ينثر البذور في أوقات محددة، وأن يختار لذلك أرضاً خصبة بعينها، وعليه لذلك أن يقيم مع الآخرين ارتباطاً محدداً. إن هذه الأمور مجتمعة هي التي تضفي قيمة ومعنى ودوراً لوجوده وحياته في هذا العالم. والأهم من كل ذلك أن الفلاح من خلال مشاهدته لنتيجة عمله ونضوج محصوله، يدرك قيمته وازدهاره في هذا العالم. فإذا عمد هذا الفلاح إلى ترك الفلاحة والزراعة، سوف ينفرط عقد جميع هذه الحلقات المتصلة التي أضفت القيمة والمعنى على حياته.}} (1)

أن الاغتراب عن الذات, يتجسد في الشخصية الرئيسية موريتز , يبدأ القسم الأول من أحداث الرواية  حيث كان عمل موريتز  يتمثل بالعمل الزراعي كفلاح  .. مورتيز {{ لم يكف لحظة عن التفكير, لسوف يحل موسم الأمطار قريبا , فتنهار جدران البئر إذا لم يتم حفرها قبل ذلك (….) الآجر الذي هيئه لبناء الزريبة . لقد قطع 800 لبنة من الصلصال  (…..) كان يعلم أنه اذا تركها حتى تجف دون ان يدخلها الفرن فإنها تتفتت وتتلف و تذهب مجهوداته هباء…}} (2)

اللحظة التي يتجسد فيها مفهوم الاغتراب عن الذات في الرواية جليا عند وصول الشخصية الرئيسية موريتز إلى المعسكر الألماني للعمل في احدى مصانعه , ينقل فيه الصناديق من على الحزام الناقل , لا يعرف عن هذا  الصناديق او الغرض منها شيئا . أنها اللحظات التي يفقد فيها الارتباط بالعمل,

{{ كان  مورتيز (….) يقف جامدا  على البسطه منتظر وصول الصناديق . فكره مره واحده في تسهيل عملية بحملي صندوقين معا يضعهما في العربه لكن الخط الحديدي لم يسمح له بذلك (….) لم يكن يحس بانه يعمل ولا كان يشعر كذلك بأنه لا يعمل . كان موريتز أثناء عمله السابق يفكر في شتى الأمور فيمر الوقت  دون أن يشعر بمروره .  أما الآن فقد عدله عن التفكير (….) لم يوجد في رأسه خيالا خصبا يحلق به الى مرتبة التفكير , صار راسه فارغا وخاليا من أي نوع من الصور… }} (3).

– القيم :

{{ هذه هي جريمة المجتمع التقني الغربي. إنه يقتل الإنسان الحي في سبيل النظرية، في سبيل التجريد، وفي سبيل الخطة. هو ذا الشكل الحديث للقرابين الإنسانية. لقد استبدلت أكوام الحطب و الإعدام حرقا في السابق، بالمكتب و الإحصاء اليوم.}} (4)

تُجسد الرواية على مستوى القيم , الصراع ما بين القيم النفعية والقيم الإنسانية أو على الأقل الحق الطبيعي , ويمكن القول بإن الرواية تضمر الجواب للسؤال “”ما المجتمع الناتج أن قرر الإنسان أن يشكل حياتة على أساس القيم النفعية؟””

أن الجواب المضمر لهذا السؤال هو أنك ستتحول الى مجرد رقم لا أكثر ولا أقل , سينقلب عليك مفهوم الدولة وينسلخ عنك . و يصبح ما هو مفترضا نتاجا للإنسان و نابعا عنه , كياناً آخر تخضع له , فيقتلك أن شاء بدل حمايتك , و يسجنك بدل أن يمنحك الحرية , و أن شاء أجاعك بدل أن يشبعك , فأنت لم تعد بشرا بعد الان , انت مجرد ترس صغير  في  آلة عملاقة تسمى الدولة , تتكون من الآف التروس , و أختيارك لهذه القيم  سيحتم  عليك أن تدور داخل هذه الآلة كمجرد ترس (آلة) صغير يرمى في القمامة بعد تلفه , ويستبدل بالجديد من أجل الدولة (الآلة) , في سبيل بقائها يجب أن تقدم لها أنت وأبنائك واحفادك القرابين على تخومها.

 

(1) اليمين واليسار رؤية أبستمولوجية نقدية للمفهوم – ص 62-63

(2) الساعة الخامسة والعشرون – ص 88

(3)  – ص 211-212

(4)  – ص 395

محمدباقر

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى