ميري ميشيل …. هو صحيح الهوى غلاب ؟!
قصتي عن ميري ميشيل
السيدة التي بكت في حفل أم كلثوم، وهي تغني “هو صحيح الهوى غلاب”
يظل المحبوب محبوبًا حتى وإن رحل، حتى ولو مرّ على رحيله سنوات طوال، في حفلة أم كلثوم الشهيرة التي تُغنّي فيها “هو صحيح الهوى غلّاب”، كانت تجلس سيدة ضمن الجُمهور، وعلى وجهها يظهر التأثر الشديد، تُغمض عيناها كما لو أنها تتخيل حبيبها أمامها، تُغنّي أم كلثوم ذلك المقطع “يا قلبي آه”، فيما تمسح السيدة وجهها بالمنديل الذي ينتفض بالمشاعر والأحاسيس، ظلّت تلك السيدة التي ظهرت في الدقيقة الـ33 من الحفل أيقونة ضمن أشهر المُعجبين في تاريخ أم كلثوم مجهولة تمامًا، دون معرفة أي تفاصيل عن حياتها.
اعتادت ميري ميشيل على حضور حفلات أم كلثوم، في الخميس الأول من كل شهر، لم يكن يُعيقها أي شيء في سبيل ذلك، يقول تامر رؤوف، حفيدها الذي يعمل كممثل، “كانت بتعتبر دي لحظات الاستجمام الخاصة بيها”، حيث كانت تُنهي عملها كمترجمة في إحدى شركات وسط البلد، ثم تعدو نحو منزلها الواقع في شارع قصر النيل، حيث تتأنق مُرتدية أبهى الفساتين، وبعدها يصطحبها زوجها الطبيب شفيق السندي، يتمشّيان سويًا حتى الوصول إلى دار سينما الأوبرا، التي لم تبعد كثيرًا عن منزلهما أيضًا.
جاءت ميري برفقة عائلتها إلى مصر في فترة الثلاثينيات، قادمين من الشام، وقد تعرّفت على زوجها بعد ذلك في فترة الأربعينيات، حينها جاءها الهوى من غير مواعيد، وكان شفيق يكبر ميري بإثنى عشر عامًا “هو كان شخص بسيط، وبيحترمها أوي، وطيب”، تزوجا الاثنان؛ فيُمنّي شفيق حياتها بالأفراح، حيث بدآ في إنشاء أسرتهما الصغيرة، كان أولها الابن رؤوف المولود عام 1947، وخلال السنوات التالية أنجبت ميري ولد وفتاة.
وفيما كانت الحياة تسير في هدوء “وكل مادا حلاوتها تزيد”، فميري كذلك لم تحسب إنه “في يوم ح ياخدني بعيد”، فحينًا يذهب الزوجان بمفردهما حفلة أم كلثوم، وأحيانًا أخرى برفقة الصغار، فلم تحسب للزمن مواطن غدره، غير أنه وقع، ففي عام 1956 رحل شفيق في سن صغير، كانت حينها تبلغ ميري ثمانية وعشرين عامًا، مُتحمّلة مسئولية تربية ثلاثة أطفال وحدها، ولم يُعزّيها سوى حضور حفلات أم كلثوم.
هكذا عاشت ميري بين جنة ونار، وظلّ عزاؤها في حضور حفلات الست، تفرح بالقرب منها، وتستمتع بصوتها البديع، وقد قابلتها وجلست معها، كما يقول تامر، فلم تكن تعتبرها مُجرد مطربة فحسب، بل كصديقة أيضًا، خاصة أن الست وميري كانا في سن قريب من بعضهما البعض.
وكما حاولت ميري أن تأمن غدر الزمن مرة أخرى بعد وفاة زوجها، جاءتها فاجعة أخرى تُذكّرها بأن العهود لا تُجدي “مع اللي مالوش أمان”، فبعد سنوات من فاجعة رحيل شفيق زوجها، رحلت أم كلثوم نفسها، عام 1975، وكأن ميري لم تتحمّل ذلك القدر من الحزن، كما قالت أم كلثوم في أغنيتها “أهل الهوى وصفوا لي دواه/ لقيت دواه زوّد في أساه”، هكذا زاد أسى ميري هانم، التي لم تقدر على الصبر أكثر من ذلك، حيث خانها قلبها عصر يوم في عام 1979.
ففي ذلك اليوم انتظرها أبناؤها أمام سينما مترو، حيث اتفقوا على مشاهدة فيلم “لا تبكي يا حبيب العمر” سويًا، غير أن ميري لم تأتِ، فقد أحسّت بالتعب أثناء عملها، فأخذتها زميلاتها لتُجري رسم قلب، لكن الموت أدركها سريعًا دون تعب في عمر الواحدة وخمسين، راحلة في هدوء مُفجع للأحبّة “وازاي يا ترى/ أهو ده اللي جرى”.
ج.م