مختارات

ظلك الآخر عالمٌ محاطٌ بذاته … قائمٌ في شخص

ظلك الآخر ..

في كفِ يده الصغيرة رسمتُ خارطة عُمري سماء ، هِضابٌ وسهول ، بحيراتٌ ، أنهار ، بحرٌ و سُفن ‘سنبحر فيها معاً ‘ (قلتُ له) نظر إليّ بعينيه الناعستين ثمّ سألني عن الموانيء و البر! أرخيتُ يدهُ و قلتُ ‘ لا أريدك أن تُعاني’

عانيت كثيرا طوال طريقي معك .. سنوات مرت على كتفي كثقل الجبال كنت أبحث عن دفء مشاعرك من خلالها ابحث عن تلك الغيمات التي تحملني إليك..ربما عدنا سويا إلى كمون الذات ولكن لم تكن فجيعتي بك أكبر من فجيعتي بموت أبي الذي أخذ معه الكثير من الحب والكثير من الأحلام كان كلانا ينسج من الحلم ثوبا ليرتديه في زمن لا نتذوق فيه إلا مرارة الفقد ..كلانا يجالس ليال الثلج والمطر ليغسل نوافذ الحزن من طول الانتظار ..كلانا يلاحق الغيمة في الأفق وطيور الحب في زمن الغياب ..خمسة وعشرون عاما وأنا ظل امرأة تبحث في دفترها اليومي عن ..تفتش ذاكرتها تقلب تاريخا رأسا على عقب، تلك المرأة التي اختارت اسما غير اسمها ..وعنوانا غير عنوانها ودربا غير دربها

كم هي غريبة تلك الذاكرة التي نركن في عتباتها آمالنا المنسية فنجد الحنين قد يغالبنا ليستوطن خيباتنا من جديد .

كنت دائما ألومك لأنك تبحث عن أفكارك في عقلي المشتت ما بين عالمك وعالمي الذي يضج بالأثارة والمتعة أحيانا .. وأحيانا بالغياب الذي لم تلق له بالا ..عالمي ما بين الأبيض والأسود .. عالمي الذي يفتقد اللون الرمادي الذي اعتاد عليه كثير من الناس كنت أبحث في ظل متاهاتك عن نقطة ضوء تنشلني من ذاتي المحطمة ..بعثرتنا الأيام في ظل الزوايا المهجورة هنا وهناك فغابت الحروف والكلمات عن عالمي

عـــالق أنــت في متــاهــات الســراب

ثمة أمر لا تستطيع أن تجتازه بسهولة ، ثمة شعور لا يجديه التغاضي !

ثمة عتاب طويل في صدرك ..كتمانه صعب وإفصاحه إهانة !!

ثمة اشياء لا تبدو بتلك البساطة !! …كنت أحسب أني أسير على الطريق الصحيح إلى أن جرفتني أمواج الانكسارات ، وابتلعتني هوة الأحزان ..موت أبي ورحيل زوجي وغيرها من الأحزان ومرض جدتي من الواضح أنني قد نسيت أن تلك العجوز الطيبة قد شارفت على الثمانين من عمرها ، حمل جديد يضاف إلى أحمالي الثقيلة المتشبثة بكتفي .

ليس هناك متسع من الوقت عليك أن تبدأ برتق جراحك بطريقة ما ، طريقة تعمل فيها تفويض كل محاولة قد تزيد من عمق الألم . .

كلماتنا القليلة كانت تعني لي الكثير ….

والكثير كنت أحسه نحوك أستطتع التعبير عنه إلا بالصمت …

تذكرتك ذات صباح وبمجرد أن أفقت من نومي جريت على الحاسوب كي أوقظك ..حتى أقول لك صباح الخير ..

ظلك الآخر

_________________.

هدى حجاجى احمد

من مصر

 

 

**ظلك الآخر ،،

عالمٌ محاطٌ بذاته،،،. قائمٌ في شخص

 

المستهل تذكّري قبل كلِّ شيء ، تأمّلَ فيه القاصُّ مسيرةَ عمرٍه الجميل ، التي طالما قطعها بحلوها ومرِّها ، فاستوقفتْه

محطاتٌ عدّةٌ كان قد شهد عليها بريادة عالية الوعي والمثابرة

مثّلَها بروح فنان مجتهد يحصر إمكانية الزمان في الحدث المُتَتَبّع ايّما حدثٍ يراه مقنعاً يخصّه. ومحددات

المكان المتّسع من حيث حرية الحركة

والتفاعل طوال الوقت ، والذي استشرف عليه بوجهة نظر لم يفُتْها التسجيل الواقعي المباشر في اللحظة ، وأحيانا يتصاعد إلى ترويض

الظواهر وتحويلها إلى طاقةٍ

وتوثيقِ معان اعتباريةٍ من نوع خاص ديناميةٍ في الحال والمآل ، وكأنَّ عناصرَ الخلق

تمسرح للفعل الخلّاق ذاته ، حسبما تصوّر الدوافعُ والاستشعارُ

الحياتي المحسوس والمدرك، حيث مساحة الموضوعي تتفنّن في صنع الصيغ الباهرة كيفما تشاء الضرورات تلقائياً واحترافياً ،

ولعل فعل القاص هنا استبدالي او تحويلي من الخامة الأثر الخامة البِكر والتي طبعها ابطال القصة أولاً باولٍ وهم يمسحون خرائط الوقت الوجودي ، مجتازين إلى

زخارف الجمال المرجوة في البُنى النّصيّة .والتي ننوي بها إلى سرديات من القصِّ المنتخب والمحدث ،

اعتمد فيها الكاتب بأسلوبه الشّيّق

صوت الأنا المُركّب والمشتمل على اكثر من شخصيةٍ وشخصانيةٍ.

تمثّلَها زاجّاً بها ثورة العاطفي واندفاعات الانفعال القائم مع

خليقة القصة باعتبارها الواقع المحدد والمعني بحداثة المنطلق الفني المرموق ،

ولعل الراوي والاب والزوج مدموجة حلّتْ بالمعنى الذاتي فتظافرت وجرت على خريطة الفعل راسمةً

بكل توازنٍ سلوكياتٍ فرضت محتواها في معادلتِه القيّمةَ الإنسانية ، حيثما املى الشكل

تطبيقاته وبالمقابل حلول روح المضمون الحقيقي ، في معاينة المعنى الجمالي المرجو ،. ( في كف يده الصغيرة رسمتُ

خارطة عمري سماءاً هضاباً

وسهولاً بحيراتٍ وانهاراً

بحراً وسفناً

نعم سنبحر فيها معاً )

هنا نقطة البداية أو هو الشروع الاول المستفيض بالتّلقّي بين عناصر خلق النَّص

وإجراء صنع الكيفيات حيث تثبيت البصمة التصويرية ومؤدّياتها الحيثية تركيباً وانطلاقاً ،

وهي أول البناء لاول الهدم ،البناء والهدم ناموسان يجريان معا لايفترقان وجودياً مهما كانا غامضين او واضحين .

بناء أولاً يقوم به المبدع على قرار التعبير في الكلمة أو الرسم في اللون والصبغة ، او الرَّنّة الموسيقية . فلابد من هدم كان قد سبق . المبدع ما صنع تناصّاته من فراغ انما مدَّ يداً لسلّة الوجود فناشَ ما افترضته الضرورات الصياغية لغايته الفنية .

هنا تحولات الكاتبة منذ أن ارتأت إبداعها في القص كان هدما لموجود خاطرها .مفترضاً طريقةَ بناءِه

بذات اللحظة . وهذي معادلة ثبوت في كل عوالم الفن. إذ لابناءاً ابداعياً دونما هدم يسبقه ، فيكاد هذا أن يكون قانوناً تكوينياً من الثوابت في الخلق .

وإلّا كيف بنينا التمثال الجميل لولا أن هدمنا واخلصنا في الهدم فانولد البناء ،فقام الجمال ..

ومثله الرغيف حيازة حبّات القمح المهدوم او هدم الدقيق بالماء والعجن الحركي .

وحتى برج خليفة العالي افقاً هو وليد ناموس الهدم قبل كل شي

الكاتبة المعروفة هدى حجاجي

في قصة ظلك الآخر ..

نعم هدمت ومن ثمَّ بَنَتْ . وقد يُهدَمُ المبني بعدها وفق ضرورة في الوقت والحاجة لننتج منه مبنيّاً محدثاً آخراً ابلغ صفة منه وعلى هذي الشاكلة الاعتبارية تمر الاشياء في صورها الجامعة للحسن المانعة للقبح ، وحسب الشروط واللّياقات

فياترى ماذا هدمت كاتبتنا .

نعم هدمت واقعاً كان مرَّ فشهدت عليه نسميه السياق الفطري في الواقع ، سياق أفراد القصة في معتاد وقتهم الجميل او ما عانوا فيه من همٍّ ومرارة .

هدمت الكينونات الكامنة في معان أشبه بالمركبات التاريخية والخيالات التي تزحف على الذات تداهمها في نزعة التذكّر أو الاقتران او الربط والمفاضلات

وغير من مجريات سلوك الظواهر المفروضة والمفترضة .

( قلتُ له .. لااريدك أن تعاني

عانيت كثيرا طوال طريقي معك ،

سنوات مرت على كتفي كثقل

الجبال

كنت ابحث عن دفء مشاعرك من خلالها , ابحث عن تلك الغيمات التي تحملني اليك …)

 

حميد العنبر الخويلدي

حرفية نقد اعتباري

العراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى