مختاراتمقالات

صوفيا .. والأدب!!

عمرو الزيات

 

في حياةِ كلِّ أسرةٍ طفلٌ يأسِرُ قلوبَ أفرادها قاطبةً، بل ربما إن كان مثل (صوفيا) – حفظها الله لنا – فإنه قادرٌ على أن يُعدِيَ العائلةَ كلها بتلك الحالة من الانجذابِ إليه والتعلقِ به، واقتناصِ كل سانحةٍ لسماع صوته؛ فلها – صوفيا – وجهٌ بهيٌّ برئٌ حقًا يلتمسُ منه القمر ضياءه، ويستمدُّ الزهرُ منه جمالَه وعبيرَه.

نحن – أعني أنا قطعًا وأشقائي وشقيقاتي – عائلةٌ مكونةٌ من خمسة أشقاء وشقيقتان، قد رُزِقنا الأبناءَ ولله الحمد، وإنْ كنتُ أنا أقلَّهم ذريةً؛ فليس لي من الأبناء إلا توأمي سارة ومحمد، والحمد لله على ذلك، بيد أننا حين رُزِق شقيقي الأصغر (عاطف) بابنته (صوفيا) كأنّا لم نرَ قبلها أطفالًا؛ فقد أخذَتْ من أبيها خفةَ الظل والابتسامةَ الساحرة، واللهَ نحمَدُ أنها لم تأخذْ كلَّ طباعِه؛ فله – رغم ابتسامته وخفةِ ظله – هذا الطابَعُ المتقلِّبُ مثلنا تمامًا؛ فحين يغضبُ أو يسخَطُ على أمرٍ ما يتحول هذا الضاحكُ إلى صاعقةٍ تحرِقُ كلَّ من يقترب منها، وإذا كرِهَ شيئًا لم يقبلْ عليه وإنْ اجتمعَ الملأُ الأعلى والملأُ الأسفلُ على تبجيله.

أما (صوفيا) بجانب شبهها بأبيها خِلقةً وخُلُقًا فقد كان لها من اسمها نصيبٌ كبير؛ فهي حكيمةٌ وذكيةٌ وعاقلةٌ رغم أنها لم تتجاوزْ ربيعَها الثالث؛ حكيمةٌ لأنها تُعامِلُ كلَّ فردٍ من أفراد العائلة بما يستحق!!

ولأنها ذكيةٌ قد أدركَتْ أن أسرةَ فلانٍ من أعمامها تتكون منه وزوجِه وبنيه، وهي تستطيع التمييزَ بين هذا العدد الضخم من الأبناء.

أما عن موضوع الأدب مع (صوفيا) فهو مختلفٌ تمامًا عن الأدب الذي يتشدَّق به عمُّها (عمور أو عمرووووش ) كما يحلو لها أن تدعوني بإيعازٍ من أبيها الماكرِ، الأدب عند (صوفيا) سبٌ ولعنٌ؛ فـ (عمروش أدب ) أي عمرو: (قليل الأدب) أو عديم الأدب، ولست أدري هل علمَتْ صوفيا أن الدكتور طه حسين لُقِّب بعميد الأدب فأرادت أن تخلعَ على عمِّها عَمْروٍ (عمور أو عمروش) اللقبَ الذي يستحقه – بل ويلائم لسانَه السليطَ، ولغته الحادةَ – وهو عديم الأدب؟!

وما لنا نستبعد ذلك؟! والأطفال على الفطرة النقية حيث لم تلوث صفائحَهم البيضاءَ أدرانُ الحياة الزائلة، ولعل ذلك إشارةٌ من الله – تعالي – لعمِّها أن يكفّ عن تشدُّقه بكلمة الأدب، تلك الكلمة ونظيرتها مثل: اللغة والثقافة والفنون التي صدَّعَ بها رؤوسَ الناسِ أجمعين!

العائلة – أو الناس جميعًا – عند (صوفيا) نوعان لا ثالثَ لهما؛ فعندما ترضى عن أحد منّا فهو ( بيبي) أي : حبيبي بتلك اللغة التي نعشقها منها، وأما إذا كانت ساخطةً على أحد أفراد العائلة –وكثيرًا ما تفعل– فهو (أدب) ونحن نقبل ذلك منها، بل ويحلو لنا أن تذكُرَنا بأحد اللقبين مدحًا أو ذمًا، ودومًا ما نتَّصل بأبيها لنكلِّمها، ونسعدَ بهذا الحوار الممتع معها، وبحركاتها البريئة، وضحكتها الساحرة.

وفي عالم صوفيا اثنان هما دومًا (أدب) ولا يذكر الأدب إلا ذكرَتْهما: شقيقي الأكبر سيد وكُنيته (أبو منة) ولا أدري كيف تحوَّلَتْ تلك الكنيةُ في لغة صوفيا إلى (تاه منة)، وربما ذكرته بــ (أدب) لأنه لا يكفّ عن (مشاكستها) رغم أنه – وهذا حق – أنقانا قلبًا وأرَقُّنا طبعًا، أما الشخص الآخر الذي تقحمه في مناسبةٍ وغير مناسبة فهو ابننا محمد؛ هو دومًا (أدب .. أدب) وقد تؤنِّثُه –ولا أدري لماذا؟– فيصير (أدبة … أدبة) هل السبب كونه ابني؟! وأبوه ذلك الواهم الذي يسعىٰ وراء تلك العنقاء؟! ربما، ومن شابَهَ أباه فما ظلم، وإن كنتُ أرى أن محمدًا قد ظَلَمَ نفسَه حين نزع إلينا.

حفِظَ اللهُ لنا (صوفيا) وحفِظَ جميعَ أبنائنا وبناتِنا؛ فهم زينةُ الحياة الدنيا وسعادتُها، وإن كانت أيام السعادة فيها معدودات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى