بقلم / محموددرويش
في رواية “ذكريات من منزل الأموات”
تحدث دوستويفسكي عن حالة نفسية غريبة لاحظها لدى السجناء أثناء مكوثه معهم فترة سجنه . و هي حالة يبدو أن دوستويفسكي اقتنع تمام الإقتناع أنها في السجناء و في غيرهم ، نظرًا لاعترافه أن من هم خارج أسوار السجن ليس شرطاً أن يكونوا أفضل ممن هم بداخله .
وهذه الحالة هي :
ملاحظته أن بعض السجناء قد يفتعلون الشجار عمدًا ، ليس لعدائية فيهم ، أو لأن الموقف يستحق الشجار من الأساس . و لكنهم يتشاجرون لما ينتج بعد الشجار : قيام كثير من الأشخاص بمحاولة تهدئتهم والحديث معهم وملاطفتهم و لو بكلمة لينهوا المُشاجرة . في تلك اللحظات يجد هؤلاء الأشخاص قيمة لذاتهم ، و كلمة ترفع من قدرهم فيكون لذلك بالغ الأثر في نفوسهم .
هم ليسوا أشرارًا كما تصورهم الكثير من الناس ، هم عطشى إهتمام بهم ، ومتلهفون لأي كلمة ترفع من قدرهم ، و يموتون شوقاً لفرصة تجعل الناس يخاطبونهم بشيء من الإحترام !
هنا ، يستنتج دوستويفسكي أن أسوأ المجرمين يمكن أن يعود ليصبح إنساناً سويًا إذا ما وجد من يستوعبه ، من يفهمه ، من يقدره ، و يحترمه كإنسان !
الجميل في الرواية أن دوستويفسكي كتبها عن فترة سجنه ، و بدلاً من أن تكون مذكرات شخصية له ، فقد تحولت لما يشبه بالتحليل النفسي لكل من صادفهم !