حداثتنا الشعرية
سليمان يوسف
حتى الآن نحن العرب، لم نكّون حداثتنا الشعرية ونخلقها كمعطى ناجز؛ والتي على أساسه يمكن البناء عليه، في الحاضر والمستقبل. لقد دخلنا الحداثة، إلى الشعر من الخارج، واعتمدنا المناهج الغربية، في عملية النقد، ولذلك لم يكن لنا حتى الآن حركة نقدية واسعة، لها مناهجها وأسلوبها النقدي في التعامل مع المنتج الشعري الحديث. ونحن لاننكر الجهد المبذول من قبل الحداثيين الذين حاولوا اختراق قداسة الشعر القديم، من حيث ارتباطه بالفكر الديني، ومحاولة تفكيك هذا الخطاب، في بنيته العقلية الجامدة التي تقف خلفه.؟ لكن ذلك غير كاف، إذا أردنا تطويرا وحداثة، إذ يجب أن تقوم ثورة في المفاهيم الفلسفية، والمعرفية، والفكرية، وكان يجب أن تجري تحولات إجتماعية وطبقية كبيرة، تتبناهة قوى صاعدة ومنتصرة تاريخيا، كي تحدث التحول المطلوب حداثيا، وذلك من خلال فرض توازنات إجتماعية، بحيث يمكن للحداثة بكل عدتها المعرفية والثقافية والفكرية، أن تدخل بنية النسيج الإجتماعي ويتم هضهما واستيعابها، وقبولها في الواقع المعني. من هنا كان لابدّ من طرح البدائل، على ضوء معطيات الواقع، وما يمكن أن يساهم في عملية تطوير مفاهيم الحداثة الشعرية وغيرها.
إذا هذا يعيدنا إلى دفع أسئلة جديدة، إلى أسئلة مشروع النهضة، والذي أجهض في الحال، من خلال عدم تبنيه من قبل قوى طبقية واجتماعية، أي أن البرجوازية العربية، كان يمكن أن تقوم بهذه المهمة وتتبناه الطبقة الوسطى حاملة مشعل التنوير، إلا أن عدم انتصارها، وقيادتها هذه التحولات، أفشل مشروع التنوير والحداثة، وبسبب تبعيتها للغرب الرأسمالي في ذلك الحين؟ ومع انعدام التطور المعرفي والفكري، في المجتمع العربي، وعدم قيام نهضة صناعية برجوازية، تطرح فلسفتها ورؤيتها، بقيت مفاهيمنا ومناهجنا، في حالة تبعية للغرب، وفق رؤيته هو، وليس رؤيتنا نحن؛ وهذا ماخلخل بنية العقل في الحداثة، إذ أصبحت حداثتنا مقلوبة، بمعنى أنها لم تقم على فلسفة مستقلة، ومناهج نقدية على أسس، نحن خلقناها وانتجناها، كي تعطي المشروعية التاريخية لها، من خلال تبنيها من قبل الطبقات الإجتماعية المنتصرة والمهيمنة طبقيا ومعرفيا. كل ذلك كان محكوما بعلاقات، ماقبل مدنية، أي العقلية البطريركية، هي التي كانت تحكم، من خلال علاقات، القرابة والعشيرة، بحكم بنية المجتمع العربي، وتوضعاته الطبقية والإجتماعية، وبهذا نكون قد أغلقت دائرة التحضر والميزة للأنا الفردية، وتم استيعابه، في أنا القرابة والعشيرة، وبالتالي اغلق الفكر العربي على ذاته، ونام في كهف تخلفه المستدام.