مختاراتمقالات

لغة الضاد مابين يوم عالمي وخلود أبدي

بقلم الكاتب د /عبدالفتاح أحمد

اللغة العربية  أعظم من أن نحتفل بها يومًا واحدًا في العام ولو كان يومًا عالميًا، فهي لغتنا وهويتنا، وقد شرفها الله عز وجل بأن جعلها لغة أخر كتاب سماوي أنزل لهداية البشرية كافة فقال تعالى : ” إنا أنزلناه قرآنا عربيًا لعلكم تعقلون “[ يوسف آية 2 ] ، وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس ، فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات ، على أشرف الرسل ، ومما زادها شرفا ورفعة أنها لغة أهل الجنة كما ذكر الكثير من العلماء والدليل قولهم عند دخول الجنة : “وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ” (74) ، وقديمًا كتب بها علماء المسلمين الأوائل الطب والفلك والصيدلة، بل وكل العلوم ، وكان في العصر العباسي أن اهتم الخلفاء وأبرزهم الخليفة المآمون بتعريب العلوم الفارسية واليونانية وترجمتها للعربية وجعل مقابل ما يتم ترجمته وزنه ذهبًا ، هذه هي اللغة العربية يا سادة ، وحتى في بدايات العصر الحديث كان تعلم اللغة العربية شرطًا أساسيًا للأجانب الوافدين من البلاد الأوربية للعمل في بلادنا العربية ، وقد اللغة العربية على نقل تاريخ وثقافة الحضارات العربيّة عبر الزمن، وتعتبر من أهم العوامل التي حافظت على توحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، كما ساهمت في حفظ تاريخ العرب منذ العصر الجاهليّ ومن ذلك تاريخهم الكامل، وبطولاتهم، وشعرهم.
كما أن للغة العربية ميزات كثيرة منها :
الفصاحة: وهي أن يخلو الكلام ممّا يشوبه من تنافرٍ بالكلمات، وضعف التّأليف، والتّعقيد اللفظيّ. التّرادف: وهو أن يدلّ عددٌ من الكلمات على نفس المَعنى المراد.
الأصوات ودلالتها على المعاني: بمعنى أن يفهم معنى الكلمة بشكلٍ عامّ أو دقيق من خلال الصّوت فقط، وهذه من أهمّ الميزات الخاصّة باللّغة العربيّة.
كثرة المُفردات: تزخر اللّغة العربيّة بعددٍ وافرٍ جدّاً من المُفردات، ولا تحتوي لغةٌ أخرى على عدد أكثر أو يُساوي العدد الذي تحتويه لغة الضّاد.
علم العروض: وهو العلم الذي ينظم أوزان الشّعر وبحوره، ويضع القواعد الرئيسيّة لكتابة الشّعر، ممّا جعل الشّعر العربيّ هو الأكثر بلاغةً وفصاحةً نتيجةً لاتّباعه أوزانٍ مُحدّدة، وقواعدَ رئيسيّةٍ.
الثّبات الحرّ: من أكبر التّحديات التي واجهتها العربيّة هو ثباتها وانتصارها على عامل الزّمن والتطوّر، في حين أنّ اللّغات الأخرى مثل الإنجليزية قد تطوّرت واختلفت بشكل كبير عبر الزّمن.
التّخفيف: وهو أن أغلب المُفردات في اللّغة العربيّة أصلها ثلاثيّ، ثم يأتي الأصل الرباعيّ، ثمّ الخُماسيّ على التّرتيب في كثرة انتشاره في أصول المُفردات العربيّة.
ومن المثير للعجب بل من المؤسف أن نرى في عصرنا الحاضر،  اتجاه الشباب إلى التحدث مع غيره  بالأنجليزية  باعتباره أن هذا من الرقي والثقافة ، ولا يدري أنه ينسلت من هويته وتشبه بأقوام ليسوا من بني جلدته ، بل أن حضارتهم ورقيهم في الأساس منقولة من حضارته العربية والتي كتبها أجداده العرب بلغته العربية ، ولا أقول عدم تعلم لغات الآخرين ، بل لابد من تعلمها لكن نعتز بلغتنا ونقدمها على ما سواها ، فلغتك العربية هي كيانك ، وهي عروبتك،  وهي هويتك ، وهي أصلك ، وأزداد عجبا عندما أرى التلوث البصري لليافتات المكتوبة على المحلات والمولات العربية بأسماء انجليزية مكتوبة بالعربية مثل : محل ” جود مورننج ” فهل هذا يعقل يا عرب في بلاد العرب ، لذلك حق أن تتحدث اللغة العربية معاتبة  قومها  على لسان حافظ إبراهيم  من بحر الطويل  بقوله :

رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي     وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني      عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي          رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً      وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ

فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ       وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ       فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني        وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني               أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً           وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً            فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ      إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى     لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
وأخيرا ، رغم بعض السلبيات تجاه اللغة العربية  من الجيل الحالي فإن لغتنا العربية  لغة أبدية خالية مع الزمن وباقية ما بقي القرآن الكريم في الأرض ، فيا أمة العرب قدموا لغتكم وتمسكوا بها  فهي لغة كتاابكم ، وحافظة لأمجاد أجدادكم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى