فقاعة عقارية خطيرة وأزمات هيكلية كثيرة تنذر بنهاية “المعجزة الاقتصادية الصينية”
في سياق انفجار فقاعة العقارات والتباطؤ الاقتصادي والصراعات الجيوسياسية، قرر البنك المركزي الصيني خفض أسعار الفائدة مرة أخرى منذراً بدخول الإمبراطورية الاقتصادية الصينية مرحلة جديدة قد تعلن نهاية نموذجها التنموي.
التحقت الصين عام 1978 بركب الاقتصادات المعولمة بعد “إصلاحات ليبرالية” جذرية، وبفضل انخفاض تكلفة العمالة والاستثمارات الضخمة والمستمرة لا سيما في العقارات تمكنت الدولة من تحقيق “معجزة” بكل ما تعنيه الكلمة.
ازداد الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 8٪ سنوياً لمدة 30 عاماً وخرج بفضل ذلك ما يقرب من 800 مليون صيني من الفقر وباتت بكين أول منتج صناعي في العالم وثاني اقتصاد بعد الولايات المتحدة.
لكن الصين تبدو اليوم غير قادرة على متابعة مستوى النمو الذي كانت عليه قبل أزمة 2007-2008 المالية لأن الاستهلاك المحلي يزداد بشكل طفيف للغاية بسبب الانخفاض المستمر في معدل المواليد ومستوى المدخرات الذي لا يزال مرتفعاً للغاية.
قرر النظام الشيوعي تنويع الاقتصاد من خلال التوجه إلى الريادة التكنولوجية وتنفيذ مشروع “طرق الحرير الجديدة” لربط الصين بأوروبا وآسيا الوسطى ضمن 68 دولة تجمع 4 مليارات نسمة وتمثل ما يقرب من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
في الوقت نفسه، تحاول الصين تدريجياً تثبيت أقدامها في أفريقيا، القارة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، حيث تصبح الدائن الأول لدولها في سياسة وصفت بـ”الإستعمارية الجديدة” التي مكنتها من الحصول على احتياطيات كبيرة من المواد الخام وتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة.
لكن السياسات التي عززها الرئيس شي جينبينغ وتعتبر جزءً من منظور طويل الأجل بهدف السيطرة على “اقتصاد الغد”، تتعرض لخضة كبرى مع انفجار فقاعة عقارية تثير التساؤل عن استدامة نموذج الصين الاقتصادي.
بالإضافة إلى تسهيل شروط الائتمان والعديد من ضوابط رأس المال، عزز غموض سوق الأسهم الصينية فكرة أن العقارات هي أفضل استثمار للأسرة الصينية. ونتيجة لذلك، زاد حجم قروض الرهن العقاري بأكثر من 15٪ سنوياً على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية واستمرت الأسعار في الارتفاع.
تسارع التراجع الديموغرافي والتباطؤ الاقتصادي المرتبط بأزمة فيروس كورونا والمديونية المفرطة للقطاع الخاص يتسبب في زيادة العرض في النمو على الرغم من انهيار الطلب.
وتعثرت شركة إيفرغراند الصينية العملاقة المثقلة بالديون البالغة 300 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2021 ولم تقدم بعد خطة إعادة هيكلة الديون التي وعدت بها الحكومة بحلول 31 تموز/يوليو. هذه الأزمة لها تداعيات على القطاع المصرفي حيث تتأثر البنوك وخاصة المحلية بمشاكل السيولة الكبيرة بسبب القروض المحفوفة بالمخاطر والمنتجات المهيكلة المعقدة.
تراجعت أسهم بنك التجار الصيني وشركة Ping An Bank وهما من أكبر المقرضين الخاصين في البلاد بنسبة 32٪ و25٪ على التوالي منذ بداية عام 2022. بالإضافة إلى ذلك، قرر العديد من الصينيين التوقف عن سداد قروضهم بسبب توقف بناء ممتلكاتهم المستقبلية ويقترن كل ذلك بإضرابات ومظاهرات احتجاجية ضربت أكثر من 90 مدينة.
انخفضت مبيعات المنازل بنحو 28.9٪ خلال عام واحد، وذكرت صحيفة “آسيا نيكاي” أن البلاد قد بنت 27 مدينة أشباح بحجم نيويورك لكل منها. ولمواجهة الانهيار، قرر بنك الشعب الصيني خفض أسعار الفائدة مرة أخرى من أجل تحفيز الاقتصاد ودعم الطلب في هذا القطاع.
تعتبر هذه الأزمة عبئاً حقيقياً على حكومة جينبينغ، تضر بالنمو وتضعف ثقة الأسر بشكل خطير وتزيد من نقاط الضعف الهيكلية المتعددة التي لا تزال قائمة في الاقتصاد الصيني.
بحسب كثير من الخبراء الاقتصاديين، لا يمكن لسياسة الاستثمار والديون المستمرة أن تدوم بسبب أزمة العقارات الحالية. كما أن بعض القضايا مثل الاحتباس الحراري واستراتيجية “صفر كوفيد” وتوتر العلاقات الصينية الأمريكية والتباطؤ في الاقتصاد العالمي كلها عوامل تعقد الموقف.
ويقترحون إصلاحات عميقة لا سيما من خلال إبطاء الاستثمار وإعادة توجيه الدعم نحو الاستهلاك المحلي. سيتطلب هذا التحول الحد من عدم المساواة في الدخل من أجل الحفاظ على ثقة الأسر وتعزيزها. إن فجوة الثروة بين الأفقر والأغنى آخذة في الاتساع في الصين حيث يمتلك أغنى 1٪ الآن 30٪ من الثروة الوطنية بينما يمتلك أفقر 25٪ حوالي 1% فقط.