رجل أحمق
شعر: شريفة السيد
ها أنتَ تُعلق قلبَ فتاةٍ
ثم تروحُ وتمرحُ في الوديان
كأن سرابا يأسرُها بالأمل المُرهَقْ ….
تتركُها تلعقُ حنظلها *
تركب صندلها
لتهاجرَ في آهات القلب
وتسكن في أشجار الروح
تعانق صوت اللقلقْ ..*
.
وكأن الصبح يلوِّح:
قُومي يا عذراء ، هزي جزع الحب وقولي:
إني أنثى لا تحتمل البوحَ العاتي
هذا نهر لا يمسسه إلا العشاق ،
وإلا من بالتَّمرة يُرزقْ
..
ها أنت تقاوم ريح اليوم، وريح البوح الآتي
لا تعبأ بتاريح الوجد الصامت
كي تهرُبَ من ذاكرة الأمس الأزرق.
.
وتصب غرامك في نهدي ذاكرتي
رغم البُعد
وتنحت فوق الجبهةِ، فوق الخد، وفوق رموشي لوحة عشقٍ دافنشية ْ…!
في مرسمك الهادئ جدا
ثم تولِّي
تنسى أنك من أفذاذ الفن المُطلَقْ …!
.
يا دافنشي قلبي
اترك بعض دهاءك فوق دروبي
وامنح زيت الريشة بعضا من أنفاسك
كي ترسم في الأعماق رسوما
تصلح للعرض بأكبر سوق للوحات
فاضرب في تاريخي الأعمق
.
امنحني ظلك
وامضِ إلى ساحات الفوضى والجبروت.
وبكوة نورٍ اتركني وحدي، كي أنهل من أناتي
لا أنت تجيء، ولا قلبي يعرف كيف يموت
ولا من بُعدِكَ يقلقْ …. !!
.
يا من حين يجيء؛ يجيء فريدا
متكئا فوق عَصاة الشوق المغلق.
مُحتضنا ذاكرة أخرى
يختصر زمانا وزمانا في كلمة عشق وردية:
(أعشقكِ الآن)
(وأحب الحب لأجلِكِ أنتِ)
(وأجيئكِ طفلا مفطوما)
(ماذا لو يتدثر في قلبِكِ توا…؟)
،
ويلوك الكذبة في فمه كعصارة تبغ مرَّ عليها دهر أغمقْ
وزمان أعرقُ من أزمنة الإسكندر
حين بنى مئذنة وهمية
يا رجلا لا يعرف كيف يجيء
وكيف يحن ، ويعشق.
أكتشفُ الكذبة فأغني:
((سألوني الناس عنك يا حبيبي، كتبوا المكاتب واخدها الهوى ، بيعز عليِّ غني يا حبيبي، لأول مرة ما بنكون سوا……))
.
وأعانق قطة قلبي وأنام
كي أصحو ، فأراك غريبا في الأحلام
منسيا فوق الأرفف
لا أنت هناك ، ولا أنت هنا
وعلى مشجب عمري
تقف الآن ، تعلق قلب فتاة
ثم تروح، وتمرح في الوديان
كأن سرابا يسكنها بالأمل الأخضر.
تلعق حنظلها، تركب صندلها
وتروح تغرد في الأحلام
تعانق صوت اللقلق
…
#شريفة_السيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليق على النص:
الشاعرة الكبيرة شريفة السيد تجسد – في شعرها – تاريخ الأنثى بكل عشقها، عنفوانها، تجبّرها، طفولتها، بتلك البراءة، وكل الإثارة:
” ها أنتَ تُعلق قلبَ فتاةٍ
ثم تروحُ
وتمرحُ في الوديان
كأن سرابا يأسرُها
بالأمل المُرهَقْ ….
تتركُها تلعقُ حنظلها *
تركب صندلها
لتهاجرَ في آهات القلب
وتسكن في أشجار الروح
تعانق صوت اللقلقْ ..* “
شاعرة لديها اعتداد شديد بنفسها وفنها وأنوثتها، وهذا سرّ تفرد تجربتها الإبداعية، فريدة في عشقها،
هي تلك الثائرة على العشق التقليدي؛ ولأنها كذلك ترفض أن تُعشق ذلك العشق الرتيب:
” اترك بعض دهاءك فوق دروبي
وامنح زيت الريشة بعضا من أنفاسك
كي ترسم في الأعماق رسوما
تصلح للعرض بأكبر سوق للوحات
فاضرب في تاريخي الأعمق
.
امنحني ظلك
وامضِ إلى ساحات الفوضى والجبروت.
وبكوة نور
اتركني وحدي
كي أنهل من أناتي
لا أنت تجيء
ولا قلبي يعرف كيف يموت
ولا من بُعدِكَ يقلقْ …. !! “
فهي تتمنى أن يخرج من خندقه ويخرجها معه؛ ليذوبا عشقا على طريقتها هي فوق الحدود الزمان والمكان؛ فالحب لا يعرف هذا العالم الذي يضيق بحبها:
” يا من حين يجيء
يجيء فريدا
متكئا فوق عَصاة الشوق المغلق.
مُحتضنا ذاكرة أخرى
يختصر زمانا وزمانا
في كلمة عشق وردية:
(أعشقكِ الآن)
(وأحب الحب لأجلِكِ أنتِ)
(وأجيئكِ طفلا مفطوما)
(ماذا لو يتدثر في قلبِكِ توا…؟)
،
ويلوك الكذبة في فمه
كعصارة تبغ
مرَّ عليها دهر أغمقْ
وزمان أعرقُ
من أزمنة الإسكندر
حين بنى مئذنة وهمية
يا رجلا
لا يعرف كيف يجيء
وكيف يحن ، ويعشق.”
وهي صاحبة رسالة واضحة المعالم يمكن استنتاجها من خلال أعمالها الإبداعية؛ ومن أهم سمات تلك الرسالة تلكم السيطرة العجيبة على اللغة؛ فهي تشكل اللغة كما تشاء، وكأنها تشير بسبابتها للغة فتأتيها طائعة طيعة، ولعمري لا أدري كيف تقدّ اللغة قدّا لتلك الأحاسيس الصادقة التي تعيشها، فترسم لها تلك اللوحات التي تضاف إلى معالم الجمال، تقرأ لها فتأخذك تلك الحالة العجيبة، فإذا كانت سعيدة فأنت – بلا ريب – ترقص معها تحلق بعيدا كفراشة…تسمو وتسمو في ذلك العالم السماويّ بعيدا عن دنيا البشر؛ فأنت وحدك مع كلماتها والموسيقى في هذا الفضاء الرحيب من السحر والجمال، وأما إذا كانت ثائرة متمردة – وهذا ديدنها – فأنت أمام أنثى ليست كالأُناثَى؛ قوية شامخة شديدة الاعتداد بأنوثتها وشاعريتها؛ رغم أن قلبها قلب طفل يغتفر الذنوب، أليست – حقا – كما قالت عن نفسها: أنا لا تشابهني امرأة؟
عمرو الزيات