تحليلٌ نقديٌّ لصورٍ وأهدافِ أربعةٍ من قصائدِ محمد خالد الخضر

مشغل الصوت
بقلم: علي عبد الوهاب الجاسم
تغوصُ قصائدُ الشاعرِ محمد خالد الخضر في أعماقِ النفسِ البشريةِ والواقعِ العربيِّ المعاصر، مقدّمةً لوحةً فنيّةً غنيّةً بالصورِ الشعريةِ التي تعكسُ مرارةَ الحاضرِ، وحنينَ الماضي، وومضاتِ أملٍ باهتة. يتسمُ شعرُ الخضرِ بالصراحةِ وقوةِ التعبير، حيثُ لا يتردّدُ في كشفِ عوراتِ الواقعِ ومواجهةِ القضايا الشائكة، مستخدمًا لغةً مكثّفةً وصورًا صادمةً أحيانًا.
—
أولاً: الصور الشعرية
تتنوعُ الصورُ الشعريةُ في قصائدِ الخضر بين الواقعيةِ المريرةِ والرمزيةِ العميقة، لتشكّل نسيجًا متكاملًا يُعبّر عن رؤيتِه.
1. “أنا لا سواي”
يبدأ الشاعرُ هذه القصيدة بتأكيد ذاتِه الشعرية والفنية، وكأنّه يُعلن عن تفردِه في ساحةِ الكلمة.
صورٌ مثل:
> “غيري / يتأتئ / بالحروف .. ولا يرى أزهارًا”
تبرز ثقتَه بنفسِه وقدرتَه على اختراقِ الحواجزِ اللغويةِ والفكرية.
هو “الفارسُ الميمون” الذي “يليقُ به ساحُ الهوى تتبارى”، في مقابل المتلعثمين الذين لا يرَون جمالياتِ الحياة.
ويقول أيضًا:
> “كدت أكتب .. فوق كفك كلمةً لا غيرَ شاعرِك النبيل .. إذا امتطى ذاك الجواد .. وحطّم الأسوارا”،
في صورةٍ لفارسٍ يكسرُ القيود، ليؤكّد أن الشاعرَ النبيل هو وحده من يستطيعُ تحطيم الحواجز.
إنه بصيرٌ يرى ما لا يراه الآخرون، ومحرّرٌ للحقيقةِ من قيودِها.
—
2. “حُلم منتصف رمضان”
تأخذ الصورُ هنا منحًى أكثرَ قتامة وواقعية.
العنوانُ ذاته يحمل مفارقةً: بين زمنٍ روحانيٍّ (رمضان) وواقعٍ متأزِّم (عارٍ لمنافقٍ وخائن).
تتجسّد مرارةُ الخضر في تعابير حسية:
> “أخبركم بأني قد قرفت”
“ضاق جرحي”
ثم يصوّر الخيانة والضعف بقوله:
> “إذا الأقوام باعوا الأرض حولي”
“تبادلنا الرعاع على حدود”
ذروة المشهد تتجلّى في:
> “مخطط خصمنا ورسمت حالًا نكابده وكم فيه احترقت”
في إحساسٍ عميقٍ بالاحتراقِ الداخلي جراء الوعي المسبق بالمخططات.
ويتابع:
> “فما اكترث الأشاوس باكتشافي … إلى حين الفجيعة فانخدعت”
ويختم بمرارة:
> “إن عدنا فهذا ليس نصرًا، ويشهد ما خسرنا وما خسرت”
مشهدٌ كاملٌ لليأسِ الجماعيِّ والفرديّ.
—
3. “بنك الكرامة”
من أعمقِ القصائدِ تصويرًا للواقعِ العربيِّ المتردي.
> “الجموع تدق ناقوس الخطر”
“طوابير المساكين الضعاف هناك على الغدير تلمّ حلمًا … كان يصعدُ وانكسر”
لوحةٌ بصريةٌ من القلقِ والانكسار، حيث تتحوّل الأحلامُ من الصعودِ إلى التحطّم.
تتعمّق القصيدةُ في صورِ الفسادِ والخيانة:
> “أبكي على الموتى لأن الرافعين أكفهم .. باعوا الأمانة”
“إن جموعنا أممية وغرامها للعابرين هواية”
تشير إلى تخاذلٍ جماعيٍّ تحت عباءةِ الشعارات.
ثم تظهر الصورة الرمزية العنيفة:
> “الديدان تشبه قطعة (الجلة)”
“جبلان في العصر الحديث … وذلك الوادي يمرُ عليهما قربَ انحدارٍ مرعبٍ مرّت العناكب والثعالب والضباع”
في تشويهٍ للقيمِ وتحويلٍ للقممِ إلى ممراتٍ للوحوش.
ثم:
> “حرسٌ على كلِ المداخل نائمون”
“قد أطلق المختار في الوادي كلابه”
وأخيرًا:
> “الأرض تمنحنا الصبر حتى النهاية … ثم تهدينا قبرًا”
“لم يبقَ إلا هذه الجيفُ السعيدة”
“لم يبقَ بنكٌ للكرامةِ وافرٌ / كل البنوك على الحديده”
صورٌ ترمز لانهيارٍ كاملٍ للكرامةِ والقيم.
—
4. “الجزء الثاني من الفصل الأخير”
قصيدةٌ تواصل النقدَ اللاذع واليأس:
> “لم يبق في هذا الظلام الباقي إلا لظى الآلام والأشواق”
“حاولت أن أخفي قليلاً في دمي مما رأيت فسَال من أحداقي”
ثم يرسم مشهدَ الفساد:
> “دخلت بأزمتنا بقايا عالمٍ متلوّن ومتاجر أفاق”
“شكلان للعار الكبير وكم أرى من باع أو من يشتري بتلاقي”
ويُوجّه نقدًا صريحًا للمثقف:
> “الشاعر الميمون صار منافقًا ومغنيًا أو حاديًا لنياق”
“ما نفع هذا الشعر، ما نفع الرؤى إن كان عالمه بلا أخلاق”
ثم:
> “من أطلق القطعان لولا أخوةٌ ألقوا كريم العهد للإحراق”
وفي نهايةٍ حزينة:
> “تخسى الرجال إذا انتهت عن حربها، تخسى النساء بوجهها المهراق”
“لو كلُّ سيدةٍ تقدّس بيتها ما كان هذا الابنُ في الأسواق يلهو … وأخوه مندوبٌ عن السراق”
ويختم بصورةٍ ثقيلة:
> “وطنٌ جثا يشكو إلى تاريخه متعثرٌ بالجرح والإرهاق”
—
ثانياً: الأهداف الكامنة
1. المواجهة وكشف الحقيقة
الشاعرُ مرآةٌ للواقع، لا يخشى تسمية الأشياء بأسمائِها، ويكشف زيفَ الشعارات وخيانةَ القيادات.
2. التنفيس عن الألم
القصائدُ مساحةٌ للبوحِ بالألم:
“لظى الآلام والأشواق”
“سال من أحداقي”
3. إثارة الوعي والضمير
يسعى الخضر إلى إيقاظِ الضمائرِ النائمة:
“ما هذه الأسباب ترفع رأسها مثل الزرافة في جموع رفاقي”
4. تأريخ اللحظة
القصائدُ تُسجّل لحظاتٍ مظلمة من تاريخ الأمة في وثائق شعرية صادقة.
5. الحسرة على الكرامة والقيم
كما في “بنك الكرامة”:



