أخبار العالماخبار عالميةاقتصادسياسة

بعد الرهان على الشرق .. هل فشل محور بوتين الآسيوي؟

 

 

 

تظهر تصريحات صينية وهندية أخيرة خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون، اهتزاز المحور الأسيوي الجديد لروسيا. البعض يرى أن هذا المحور “محكوم عليه بالفشل” لأن دول جنوب شرق آسيا يساورها القلق حيال رد فعل الغرب إذا تعاونت مع موسكو.

أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المنتدى الاقتصادي الشرقي الذي عُقد مطلع سبتمبر / أيلول الجاري في فلاديفوستوك في أقصى شرق روسيا، على أن بلاده ماضية قدما في فصل اقتصادها عن دول الاتحاد الأوروبي التي فرضت عقوبات شديدة على روسيا.

في المقابل، تسعى دول التكتل الأوروبي هى الأخرى إلى تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط إذ ترغب في تعزيز علاقاتها مع الدول الأسيوية كبديل عن روسيا. وقال بوتين خلال المنتدى إن دور “دول منطقة آسيا والمحيط الهادي يزداد بشكل كبير. وهناك فرص جديدة هائلة لشعبنا في آسيا”.

الجدير بالذكر أن بوتين قد أقر في يوليو / تموز الماضي الصيغة الجديدة للعقيدة البحرية الروسية بما تشمل تعزيز الوجود العسكري الروسي في الشرق.

تداعيات العقوبات

وأثرت العقوبات الدولية على الاقتصاد الروسي رغم تأكيد موسكو على انكماش الاقتصاد بنسبة 3 بالمائة العام الحالي. وفي ذلك، قال فيليب إيفانوف، الرئيس التنفيذي لـ “جمعية آسيا أستراليا” البحثية، إن روسيا تعتقد أن “هناك حتمية جيوسياسية ورغبة حقيقية في وضعها كمصدر للطاقة والموارد والمعدات الدفاعية وفي بعض الحالات التقنيات النووية للاقتصادات الآسيوية النامية”.

محور “فاشل”

ويرى مراقبون أن محور بوتين الجديد في آسيا محكوم عليه بالفشل على غرار اخفاق مخططه عام 2012 فيما أطلقت عليه روسيا في حينه استراتيجية “خطوة تحو الشرق”. بدوره، قال جوشوا كورلانتزيك – الزميل الأول في مجلس العلاقات الخارجية  ومقره نيويورك– إن هذه الاستراتيجية الروسية الجديدة “سوف تحقق فشلا جديدا لأن روسيا ليس لديها الكثير لتقدمه للمنطقة من الناحية الاستراتيجية أو الاقتصادية”.

 

وخلال قمة منظمة شنغهاي ، قال رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إن موسكو في حاجة إلى “السير على طريق السلام” فيما أقر بوتين بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ أعرب عن “قلقه وتساؤلاته” بشأن الحرب في أوكرانيا. وقال محللون إن موسكو باتت “الشريك الصغير” للصين منذ الحرب.

وفيما يتعلق بالمحور الروسي في آسيا، فقد حقق بعض الإنجازات منذ 2012 إذ بلغ جحم التجارة مع اليابان ذروته في عام 2013 بقيمة تجاوزت عتبة 33 مليار دولار، لكن هذه القيمة انخفضت إلى 20.8 مليار دولار عام 2021.

وقد ارتفعت التجارة مع كوريا الجنوبية إلى 27.3 مليار دولار في عام 2021، إلا أن روسيا لا تزال تمثل نسبة 2٪ من إجمالي حجم التجارة الخارجية لكوريا الجنوبية.

يشار إلى أن اليابان وكوريا الجنوبية قد التزمتا بالعقوبات الغربية وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على تجارتهما مع روسيا العام الجاري.

التزام الحياد

وتعد سنغافورة الدولة الوحيدة في جنوب شرق آسيا التي أقدمت على فرض عقوبات أحادية على روسيا بسبب توغلها العسكري في أوكرانيا. وفيما يتعلق بالمحور الأسيوي الأول، قامت رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروفة اختصارا باسم “آسيان” برفع مستوى علاقاتها مع روسيا إلى “شراكة استراتيجية” عام 2018  وذلك بعد أربع سنوات من ضم روسيا شبه جزيرة القرم. ورغم ذلك، فقد وصل حجم التجارة بين روسيا ودول الأسيان من 18.2 مليار دولار في عام 2012 إلى حوالي 20 مليار دولار فقط في عام 2021.

في المقابل، بلغ حجم التجارة بين دول الأسيان مع الصين من جهة  878 مليار دولار ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى 441.7 مليار دولار في عام 2021 فيما يبلغ حجم التجارة بلدان الآسيان مع تايوان أربعة أضعاف حجم التجارة مع روسيا.

ورغم سعى معظم دول جنوب شرق آسيا في البقاء على الحياد عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا ، إلا أن حلفاء روسيا التقليديين باتوا الآن في ورطة خاصة في ضوء أن روسيا ظلت منذ عام 1990 المورد العسكري الرئيسي للمنطقة، حسبما ذكرت بيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

انخفاض الصادرات

يشار إلى أنه في أغسطس / آب ألغت الفلبين عقدا لشراء 16 طائرة هليكوبتر عسكرية روسية على وقع ضغوط أمريكية فيما تخشى فيتنام من وقوعها تحت طائلة قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات “كاتسا” الذي يهدد الدول التي تشتري أسلحة روسية بفرض عقوبات أمريكية خاصة وأن روسيا كانت مصدر أربعة أخماس العتاد العسكري لفيتنام في الفترة ما بين عامي 1995 و 2021.

تزامن هذا مع تراجع كبار مشتري الأسلحة الروسية في آسيا حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا إذ انخفضت صادرات الأسلحة الروسية إلى الهند وفيتنام بنسبة 47٪ و 71٪ على التوالي بين عامي 2012 و2016 وبين عامي 2017 و2021.

نجاح محدود

لكن يبدو أن ميانمار تغرد خارج هذا السرب في ضوء أن روسيا ظلت المستفيد الدولي الرئيسي من الانقلاب العسكري في هذا البلد الآسيوي الذي وقع في فبراير/ شباط العام الماضي حيث قامت روسيا بتسليح المجلس العسكري ووفرت مساعدات ومصادر طاقة رخيصة.

وفي هذا السياق، قال هانتر مارستون، الباحث في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا، إن المجلس العسكري في ميانمار “فتح ذراعيه للنظام الروسي كشريك لتجنب الإفراط في الاعتماد على بكين، لكن هذا التحالف بين روسيا وميانمار يقوم على أساس اليأس المتبادل والنظم السياسية الاستبدادية المشتركة”.

وأضاف إذا فشل زعيم المجلس العسكري الحاكم في ميانمار مين أونج هلاينج في إحكام قبضته على السلطة، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى انتكاسة كبيرة في العلاقات بين روسيا وميانمار.

ازدهار الغاز والنفط

من جانبه، قال إفريدريك كليم – المحاضر بكلية “إس. راجاراتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة – إنه لا توجد دولة في رابطة آسيان ترى “مستقبل اقتصادي مع روسيا” غير ميانمار في ظل الحكم العسكري.

لكنه قال إن مجال الطاقة يمكن أن يكون أحد المجالات التي يمكن لروسيا من خلاله كسب حلفاء جدد في ظل الحديث عن استخدام الطاقة النووية مع ازدهار الاستثمار في قطاعات الطاقة المتجددة في آسيا.

وكانت الحكومة الإندونيسية قد ذكرت في يوليو / تموز أنها تدرس عرضا تقدمت به روسيا لتطوير محطة للطاقة النووية فيما وقعت شركة “نوفاويند” التابعة لشركة “روساتوم” الحكومية الروسية، صفقة مع فيتنام لتطوير مزرعة رياح بقوة 128 ميغاوات في أول مشروع يُجرى تنفيذه خارج روسيا.

التنافس على كسب الحلفاء

تزامن هذا مع ارتفاع الواردات الآسيوية من الغاز الطبيعي المسال الروسي  منذ بدء الحرب في أوكرانيا  إذ ارتفعت واردات اليابان بنسبة 211٪ في أغسطس / آب مقارنة بالمعدل ذاته في أغسطس / آب العام الماضي,

وقالت حكومة إندونيسيا إنها تدرس الحصول على الغاز الروسي  لتعويض ارتفاع أسعار الطاقة رغم أن جاكرتا ليست من المشترين الكبار للغاز الروسي. وإزاء ذلك، يقول مراقبون إن هذا الأمر ليس سوى استراتيجية قصيرة الأجل إذ ترغب العديد من الدول الآسيوية في الاستفادة من واردات الغاز الروسية منخفضة السعر بسبب العقوبات الغربية.

وفي ذلك، قالت شدا إسلام، المتخصصة في العلاقات الأوروبية – الأسيوية، إنه بسبب ارتفاع التضخم والمخاوف من حدوث انعدام للأمن الغذائي وارتفاع تكاليف المعيشة، فإن الحكومات الآسيوية حريصة على إنهاء الحرب الروسية -الأوكرانية.

واضافت أن هذا لا يعني أن “الحكومات والشعوب في المنطقة لا تدرك السبب الجيوستراتيجي الحقيقي وراء محاولة بوتين كسب ود الدول الأسيوية في إطار سعيه لكسب حلفاء جديد في معركته مع الغرب”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى