سما وتالا: قصة واقعية في حضن الأبوة

مشغل الصوت
بقلم : الناقد محمد الخضر
بين دفء البيت وصدق التجربة، يقدّم لنا علي الجاسم نصًا قصصيًا ينبع من قلب الأبوة.
ليست هذه مجرد حكاية للأطفال، بل لحظة إنسانية حقيقية تحوّلت إلى أدب، حيث تتجلى مشاعر الوحدة والفرح في لغة شفافة. إن قصة تالا وسما تذكّرنا أن أجمل النصوص هي تلك التي تولد من الحياة نفسها، وتُكتب لتبقى شاهدة على الحب والذاكرة.
—
🌷 سما تُضيء حياة تالا 🌷
كانت تالا فتاة صغيرة تبلغ من العمر ثمان سنوات، تعيش في بيت هادئ لا يملؤه سوى خطواتها الصغيرة وصوت ألعابها. لم يكن لها أخ أو أخت، وكانت كثيراً ما تشعر بالوحدة، خاصة عندما ترى الأطفال يلعبون مع إخوتهم في الحديقة أو في المدرسة.
كانت تالا تحاول أن تملأ وقتها بالقصص والرسم، وأحياناً تخاطب دُميتها وكأنها صديقة حقيقية. ومع ذلك، بقي في قلبها فراغ كبير تتمنى أن يملأه شخص يشاركها ضحكاتها وأسرارها الصغيرة.
وذات يوم، جاءت أمها بابتسامة عريضة وقالت:
“تالا يا حبيبتي، لديك مفاجأة كبيرة… قريباً سيكون لك أخت صغيرة!”
لم تصدّق تالا أذنيها، وغمرها شعور غريب بين الفرح والدهشة. كانت تسأل نفسها: كيف ستكون أختي؟ هل ستلعب معي؟ هل ستشبهني؟
مرت الأيام، وأخيراً جاء اليوم الذي انتظرته تالا بشوق. حملت أمها بين ذراعيها طفلة صغيرة جميلة أسمتها سما. كانت سما كالملاك، عينيها تلمعان مثل النجوم، وابتسامتها تذيب أي حزن.
اقتربت تالا بخطوات مترددة، فنادت أمها بلطف:
“اقتربي يا تالا، هذه أختك سما.”
حين نظرت تالا إلى أختها الصغيرة، أحست أن قلبها امتلأ دفئاً لم تشعر به من قبل. مدت أصابعها الصغيرة ولمست يد سما، فتمسكت بها الطفلة بحنان وكأنها تقول: “لن تظلي وحيدة بعد الآن.”
منذ ذلك اليوم، تغيّرت حياة تالا. لم تعد غرفتها صامتة، ولا بيتها خالياً من الضحكات. صارت تنتظر أن تكبر سما لتلعب معها وتشاركها الأسرار. وكلما نظرت إلى أختها الصغيرة، شعرت أن أجمل هدية في الدنيا قد وصلت إليها: رفيقة العمر.
وهكذا، انتهت وحدة تالا، وبدأت قصة جديدة مليئة بالحب بين الأختين.
—
حوار بيني وبين الكاتب حول القصة
١/ محمد الخضر: ما الذي دفعك إلى كتابة هذه القصة؟
علي: كتبتها لأبنائي، لأجعل لحظة ولادة سما حدثًا خالدًا في ذاكرة تالا، ولأُظهر لهما أن الأدب يمكن أن يحفظ مشاعرنا ويحوّلها إلى قصة تُقرأ وتُتداول.
٢/ محمد الخضر: لماذا اخترت أن تكون تالا بطلة القصة وهي طفلة وحيدة؟
علي: لأن الوحدة في الطفولة تُبرز الحاجة العاطفية للآخر، وتجعل قدوم الأخت حدثًا عظيمًا. أردت أن أجعل القارئ، وخاصة الأطفال، يشعرون بصدق التحوّل من الفراغ إلى الامتلاء بالحب.
٣/ محمد الخضر: هل الكتابة هنا كانت للتعبير عن مشاعرك كأب أم لتربية بناتك؟
علي: هي مزيج من الاثنين. كتبتها بدافع الأبوة لأُعبّر عن فرحتي، وفي الوقت نفسه أردت أن تكون رسالة تربوية لبناتي عن قيمة الأخوة والحب.
٤/ محمد الخضر: كيف أثّرت هذه القصة على تالا نفسها عندما قرأتها؟
علي: شعرت أنها بطلة حقيقية، وأن القصة تخصها وحدها. هذا عزّز ثقتها بنفسها، وأعطاها إحساسًا بأن قدوم سما لم يكن مجرد حدث عابر، بل بداية قصة جميلة كتبت عنها.
٥/ محمد الخضر: ما الرمزية في اسم “سما”؟
علي: اخترت اسم “سما” لأنه يرمز إلى الاتساع والنور والصفاء، وكأنها نافذة جديدة تُفتح في حياة تالا، تمنحها أفقًا أوسع من الوحدة الضيقة التي كانت تعيشها.
٦/محمد الخضر: كيف توازن بين خصوصية التجربة العائلية وعموميتها الأدبية؟
علي: ركّزت على المشاعر الإنسانية العامة مثل الوحدة والفرح والحب، بدل التفاصيل الخاصة، حتى يستطيع أي قارئ أن يجد نفسه في القصة، مع بقاءها مرتبطة ببناتي كجوهرها.
٧/ محمد الخضر: هل ترى أن تحويل تجربة شخصية إلى نص أدبي يضيف قيمة للقارئ العام؟
علي: نعم، لأن المشاعر الإنسانية مشتركة. كل طفل قد يشعر بالوحدة، وكل أسرة تعرف معنى قدوم مولود جديد. الواقعية تجعل القصة أكثر صدقًا وقربًا من القارئ.
٨/ محمد الخضر: هل تعتبر هذه القصة بداية لمشروع أدبي أوسع عن الأسرة والطفولة؟
علي: نعم، أفكّر أن أجمع قصصًا قصيرة من تجارب واقعية مع بناتي وأقاربي، لتكون كتابًا يخلّد لحظات الطفولة ويقدّمها بلغة أدبية تربوية.
—
ما قرأته ليس مجرد قصة قصيرة للأطفال، بل شهادة وجدانية صادقة تنبض بالحب الأبوي.
لقد استطاع علي أن يحوّل لحظة شخصية في بيته إلى نص أدبي يحمل قيمة إنسانية عامة، حيث تتجلى الوحدة والفرح والدهشة في لغة شفافة وبسيطة.
إن حضور سما في حياة تالا لم يكن حدثًا عائليًا فحسب، بل تحوّل إلى رمز للامتلاء العاطفي الذي يبدّد الفراغ.
هذه القصة تُثبت أن الأدب الحقيقي يبدأ من التجربة الصادقة، وأن أجمل النصوص هي تلك التي تُكتب من القلب لتصل مباشرة إلى القلوب. علي هنا لم يكتب لبناته فقط، بل كتب لنا جميعًا درسًا في معنى الأخوة والدفء الأسري.



