ثقافة وفنون

حينما تتقاطع فلسفة العدالة مع هشاشة الهوية

مشغل الصوت

النص الذي كتبته الروائية هدى حجاجي أحمد هو قطعة أدبية قانونية نفسية، تتقاطع فيها فلسفة العدالة مع هشاشة الهوية، وتتحول المحكمة إلى مسرح داخلي تحاكم فيه البطلة ذاتها بقدر ما تدافع عن موكلتها.

أسلوب الكاتبة يقوم على التماثل الوجداني بين الحدث والشخصية، حيث تُبنى القصة على مرايا متقابلة: المتهمة تشبه جيهان، والملف يشبه ذاكرتها، والقضية هي في جوهرها صراعها الشخصي المؤجل. هذا ما يجعل السرد ذا نَفَسٍ وجوديّ، يتجاوز الواقعة القانونية إلى مساءلة معنى الأبوة والغياب والهوية.

في المستوى البلاغي، تعتمد حجاجي على الاستعارة الممتدة: “رائحة الفرار” ليست مجرد رائحة بل رمز لذاكرة الألم والهروب من الحقيقة. كما تتكئ على المفارقة حين تجعل الانتصار القضائي لحظة انكشاف إنساني، لا مجدًا مهنيًا. الجملة: «الدم لا يُكفي، الغياب لا يُغتفر، والهوية ليست ورقة… بل قرار» تختصر البنية الفلسفية للنص، إذ تُعيد تعريف الانتماء بوصفه فعلًا إراديًا، لا قدَرًا بيولوجيًا.

تظهر في أسلوبها نغمة سردية أنثوية ناضجة، لا تستدرّ العاطفة بل تروضها بالعقل والحجة، مما يمنح الخطاب بعدًا مزدوجًا بين البلاغة القانونية والمنولوج الداخلي. الحوار مع القاضي مصوغ بإيقاع متوازن بين منطق الحجة وإيقاع الشعر الخفي في العبارات:

“هل نُكافئ الغياب… ويُعاقب الحضور؟”

وهي صيغة تستحضر تقنيات البلاغة القديمة من مقابلة وجناس معنوي، لكنها توظفها في سياق عصري ينطوي على وعي نقدي بالنظام الأبوي.

الكاتبة تمارس ما يمكن تسميته بـ الواقعية التأملية: الواقع القضائي موجود، لكنه مسرح للرمز؛ والرمز هنا هو أن العدالة الحقيقية لا تُكتب بالأدلة بل بالذاكرة. لذلك تتحول النهاية إلى تطهير ذاتي (Katharsis) حين تخلع جيهان ألقابها وتعود إلى اسمها الأول — رمز العودة إلى الجوهر بعد محاكمة العالم.

بمعايير أدبية افتراضية، يمكن القول إن العمل يحقق:

1. تكامل الفكرة مع اللغة (الفكرة الأخلاقية تُبنى داخل الجملة لا خارجها).

2. توازن السرد والحوار بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر.

3. تدرّج إيقاعي يبدأ من الترقب وينتهي بالهدوء التأملي.

4. وحدة صوتية داخلية تجعل القارئ يسمع نبرة جيهان في كل سطر حتى عندما تصمت.

أسلوب هدى حجاجي هنا يشبه كتابة اعتراف مموّه داخل مرافعة، حيث تتقاطع العدالة مع الغفران، ويغدو القانون مرآة للضمير. إنها تكتب بالميزان والدمعة معًا، وتُعلّم القارئ أن الحق ليس ورقة… بل شجاعة.

تقبلوا سيدتي هذه الشكاية الفلسفية بالود و الجد ! دام العطاء !

الاستاذ عمر حاجي __بلغاريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى