ثقافة وفنون

عماد العادلي في الرواق الفلسفي والكل يكذب.. هل نحيا خلف الأقنعة؟

مشغل الصوت

تقرير مها رياض

 

اختار الكاتب و الفيلسوف والمستشار الثقافي الأستاذ عماد العادلي في رواقه الفلسفي مناقشة كتاب “الكل يكذب” للكاتب الأمريكي سيث ستيفنز Seth Stephens بإحدى قاعات مكتبة مصر الجديدة يوم الجمعة الموافق السابع عشر من أكتوبر 2025م.

 

بدأ حديثه بتمهيد: فإن كلمة الأقنعة توحي بتعدد الوجوه. الحقيقة أن الفرد الاجتماعي لابد أن يرتدي أقنعة.. فالأب يرتدي قناع الأبوية.. وكذلك الصديق عند صداقته والحبيب وما إلى ذلك.فكل فرد يؤدي دوره أمام الآخرين عبر إشارات لفظية وغير لفظية..وكل منا يقوم بعدة أدوار. ..ووفقا للمهنة يرتدي كل منا قناعه المناسب لأداء المهمات الوظيفية والاجتماعية.

لكن البعض يقيد نفسه فيعيش فقط على إدارة صورته لا في تطوير ذاته.

 

قديما كانت هناك وسائل لمعرفة الحقيقي من القناع..فكانت محاولات الفلسفة والغوص فيما وراء النفس البشرية..وفي القرن الثامن عشر ظهر علم الاجتماع فكانت هناك محاولات من نوع آخر..ثم ظهر علم النفس والاختبارات والمقاييس للاوعي.

 

سقطت الكلمة المكتوبة ثم ظهر العصر الرقمي..فهل ما يتم تخزينه كبيانات هو الحقيقة..وهل يمكن للالة أن تعرف عن أنفسنا مما نعرفه نحن؟!

 

وظهرت أول نظرية بين عالم الحقيقة وعالم الوهم على يد أفلاطون.. نظرية “كهف أفلاطون”:

فيها أن البشر يجلسون في كهف وخلفهم شعلة وخلفها حياة عادية..الجالسون مكبلون لا يرون إلا الظل.. أما الذي خرج للحياة وعاد ثم وصف ما رأى..فقد وصفوه بالجنون.

 

وفي رأي نيتشة: نرتدي الأقنعة كي نقول الحقيقة بشكل مهذب..فالحقيقة المطلقة في نظره قاتلة..لذا نرتدي قناع التعقل والتهذيب.

 

أما الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984)

الذي لم يلحق بالتطور التكنولوجي المذهل الذي نعيش فيه..فهم العلاقة بين الواقع الحقيقي والأقنعة..لم ير القناع كاختيار جمالي أو تكيف اجتماعي فحسب..بل أداة سلطة..

يرى فوكو أن كل خطاب هو خطاب سلطة سواء تربوية / اجتماعية/ أبوية…فالسلطة لها خطاب ( متن) و( هامش) لكنه على نطاق ضيق..لا يمارس النفوذ مثله مثل سلطة المتن.

 

ووفقا ل “فوكو” فالمجتمع بكل أدواته هو الذي يصنع هذه الأقنعة ويلزم الناس بها..(الأقنعة باعتبارها سلطة يخلقها المجتمع)..تضع المؤسسات محددات من يسير عليها يصبح (عاقلا- مواطناً صالحاً.. إلخ). إذا خالفت هذه القواعد ستصبح عميلا أو ملحدا…وكل عصر يفرض وجوها محددة والذي يرفض القناع يعتبر خارجاً عن النظام.

 

وكذلك الطب النفسي يضع محددات للسلوك السوي.

ثمة سجون رمزية ..وبالتدريج نصبح نحن الذين نراقب أنفسنا.

 

ثم يبدأ بمناقشة كتاب ” الكل يكذب” :

ويشير سيادته في البداية إلى أنه الآن بسهولة شديدة يمكن معرفة ما إذا كان الإنسان الذي يحدثك يكذب أم لا عبر البحث search عما يهتم به.. فإذا كان يظهر على صفحته يتباهى بأنه يتبع نظاماً غذائياً..ثم بالبحث نعرف أنه يحاول معرفة أحسن المطاعم أو يحاول معرفة طريقة عمل وجبات تحتوي على كمية كبيرة من الدهون.. نكتشف بذلك كذبه.

 

البيانات تكشف القول والفعل.

قديما وتبعا لنظرية فرويد ؛ يتم اكتشاف الإنسان من ذلات اللسان والأحلام.

 

وحديثا وعبر محركات البحث أظهر نموذج الانتخابات الأمريكية الابعاد العنصرية المخيفة عند الأمريكيين..

وعلى رأي المثل:” على وشك يبان يا مضاغ اللبان”.

 

ومن البحث على شبكات الانترنت يمكن معرفة السلعة المطلوبة والمضمر من الآراء والتوجهات..ويمكن للآخر معرفة ما يهتم به المصريون .. خاصة أنهم عاطفيون.

 

والسؤال: هل نحن في عصر لا نستطيع أن نحافظ فيه على أسرارنا؟

الإجابة نعم ..لم تعد هناك خصوصية..

وعن طريق AI يمكن تحليل الشخصيات.

 

والسؤال الثاني : الكل يكذب؟

نعم.

 

لكن من وجهة نظر أخرى يمكن استخدام الكم الهائل من البيانات على الإنترنت في إعادة صياغة الأسئلة حول الهوية والمجتمع..والتدقيق في استخدام لغتنا التي بدأنا نفتقدها ‘ وشرعت الأجيال الجديدة في توظيفها بطريقة أخرى.كذا سيطرة لغة الأرقام على اللغة الكلامية.

 

وفي إشارة سريعة إلى ميشيل فوكو مرة أخرى ‘ ذكر الأستاذ Emad Aladly المفهوم المعماري “البانوبتيكون” Panopticon:

 

وهو سجن يقف فيه الحارس في المنتصف ولا يعرف السجناء لمن ينظر ! فذلك يجعلهم يضبطون أنفسهم بأنفسهم.

ويصبح السجن داخل عقل السجناء.

قام بتصميم هذا السجن الفيلسوف والمنظر الانجليزي جيريمي بنثام عام 1785م.

جعل فوكو البانوبتيكون نموذجا للحضارة الحديثة كلها.

وفيها يضبط الإنسان سلوكه خوفاً من العين التي تراها.. فيصبح كل إنسان هو سجان نفسه.

 

وفي العصر الحديث نكشف أنفسنا بأنفسنا للموبايل والأجهزة الصحية والساعة ..

 

لذا علينا التوعية بالمخاطر التي تمثلها هذه المنصات ولا نقوم بنشر كل ما يتعلق بخصوصياتنا عليها حتى لا يتم اكتشاف ما نفكر فيه كشعب فيتدخل في شئوننا من لا علاقة له ..بل نحولها من أداة سيطرة إلى أداة معرفة وانفتاح على الإمكانات.

فما يحدث في الحقيقة أننا نجعل معلومات الانترنت مثارا لجلسات النميمة.. بذلك لن نحقق المعرفة الحقيقية.

كذلك يكرس البعض جهده في التخزين ” تخزين كتب ولينكات على الهارد” دون بذل الجهد في المعرفة.

 

إن هذا الكتاب يجمع بين الاحصاء وعلم النفس والعلوم الاجتماعية.

 

جهد مشكور للكاتب القدير الاستاذ عماد العادلي.. على أمل برواق فلسفي اخر وبالمناسبة فإن مسمى ” الرواق الفلسفي”

من اختيار سيادته على غرار ما كان يقام قديمًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى