مجدى طنطاوى يكتب: من اليابان إلى الإمارات حين تكتشف أن المستقبل ليس حكرا على أحد

مشغل الصوت
حين زرت اليابان للمرة الأولى شعرت أنني أمام ذروة ما يمكن أن تبلغه الحضارة الإنسانية من رقي ونظام كل شيء هناك بدا دقيقا نظيفا محسوبا من حركة القطارات إلى طريقة تقديم الطعام مرورا بابتسامة الموظف الذي ينحني احتراما لك حتى وإن لم يفهم لغتك
وقتها كنت أردد بيني وبين نفسي “أوروبا تحتاج إلى قرن لتلحق بكوكب اليابان” كنت أظن أنني وصلت إلى نهاية السلم الحضاري وأن لا شيء يمكن أن يُقارن بما رأيته هناك من تنظيم واحترام وتقدير للإنسان
لكن ما لم يخطر ببالي أنني بعد سنوات سأقف في دولة عربية شابة لم تكمل بعد خمسين عاما على تأسيسها وأقول “حتى اليابان قد تحتاج إلى وقت لتصل إلى ما وصلت إليه الإمارات”
دهشة ليست عابرة
في الإمارات لم يكن الانبهار مؤقتا أو بصريا فقط بل كان إحساسا حقيقيا بتكامل منظومة
أمان يلامس المطلق قانون يحكم الجميع كرامة محفوظة لكل من يعيش على هذه الأرض دون النظر إلى جنسيته أو لونه أو معتقده
وجدت في الإمارات ما يفتقده كثيرون في بلادهم الاحترام الكفاءة العدالة لم تكن هناك ضوضاء شعارات بل صوت واحد واضح العمل ثم العمل ثم العمل
من الرمال إلى الريادة
كيف لدولة لم يمضِ على تأسيسها سوى بضعة عقود أن تتحول إلى مركز عالمي في الاقتصاد والسياحةزوالتكنولوجيا والتسامح؟
الإجابة ليست معجزة بل رؤية
الإمارات لم تبدأ من الصفر فقط بل بدأت من الإيمان العميق بأن الإنسان هو مفتاح كل نجاح
استثمرت في التعليم لا في الجهل في الإبداع لا في التبعية في صناعة الفرص لا انتظار المعجزات قررت أن تنظر إلى الأمام وأن تكتب تاريخها بيدها لا أن تعيش على ذكرى أمجاد سابقة
درس لا تهديد
ما يحدث في الإمارات ليس لطمة لأي دولة بل درس ليس تحديا للهوية بل إلهام لكيف يمكن للدول الشابة أن تبني مكانتها بجدارة بعيدا عن المظلومية أو جلد الذات
هي تجربة تقول للعالم النجاح لا يُقاس بالعمر بل بالفعل
والأوطان لا تُحترم بشعاراتها بل بمدى احترامها لأبنائها ولكل من يعيش فيها
لا مقارنة… بل استفادة
لا أحد يطلب من الدول أن تُصبح نسخا من الإمارات تماما كما لا يمكن أن تكون الإمارات نسخة من اليابان أو السويد لكننا مطالبون جميعا أن نتأمل هذه النماذج الناجحة لا لنقارن بل لنتعلم
أن نُدرك أن الحلم لا يحتاج إلا إلى قيادة تؤمنزوشعب يعمل وبيئة تحتضن
ختاما
رحلتي من اليابان إلى الإمارات لم تكن جغرافية فقط بل فكرية وإنسانية رأيت في الأولى مثالا للتحضر المتقن ورأيت في الثانية شهادة حيّة على أن المستقبل يمكن صناعته في وطن لم يكن على خريطة القوى قبل نصف قرن.
تجربة الإمارات تقول لنا جميعا
الكرامة ممكنة والنهضة ليست حكرا على من سبق بل مفتوحة لمن يملك الإرادة والرؤية
فهل نملكها؟