رئيس التحريرسياسة

إسرائيل والدوحة: قراءة في الضربة على وفد حماس بين التناقض الأمريكي والموقف المصري

مشغل الصوت

بقلم: بهجت العبيدي

 

لم يكن الاعتداء الإسرائيلي ظهر الأمس الثلاثاء التاسع من سبتمبر على وفد حركة حماس المشارك في مفاوضات الدوحة حدثاً عادياً يمر مرور الكرام، بل كان صفعة سياسية وأمنية تكشف بوضوح حقيقة المعايير المزدوجة التي تحكم السياسة الأمريكية في المنطقة. فالدوحة، التي تحتضن على أرضها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية – قاعدة العديد – لم تسلم من عربدة إسرائيل، وكأن وجود القوات الأمريكية لا يعني سوى حماية المصالح الاستراتيجية لواشنطن، فيما تظل السيادة القطرية والحرمة العربية خارج حسابات هذه المعادلة.

إن الفرق صارخ بين ما تمنحه الولايات المتحدة لإسرائيل وما تمنحه لقطر. فإسرائيل تحظى بحماية مطلقة غير مشروطة، لأنها في نظر واشنطن مشروع استراتيجي طويل الأمد، جزء من أمنها القومي الممتد. لذلك فهي تحصل على التفوق العسكري، والدعم السياسي، والغطاء الكامل في المحافل الدولية. أما قطر، فوجود القوات الأمريكية فيها لا يُقرأ إلا في سياق ضمان تدفق الطاقة العالمية، والسيطرة على الممرات البحرية، وإبقاء الخليج تحت عين واشنطن. الحماية هنا مشروطة ومحدودة، إنها حماية موجّهة إلى مصالح أمريكا، لا إلى الدولة المضيفة “قطر”.

من هذا المنظور، يصبح مفهوماً أن تتجرأ إسرائيل على تنفيذ ضربتها في الدوحة. لقد أرادت أن تقول إنها قادرة على الوصول إلى حماس حتى داخل قاعات التفاوض، وأنها قادرة على فرض حضورها العسكري والسياسي في أي مكان، حتى في بيئة تغص بالوجود الأمريكي. إنها رسالة إذلال للوساطة القطرية، ورسالة تحدٍ للعرب جميعاً.

لكنني أقولها بوضوح: لو كان هذا الوفد في القاهرة لما تجرأت إسرائيل على مجرد التفكير في استهدافه. فمصر بثقلها التاريخي والإقليمي، وبحضورها العسكري والسياسي، تفرض على إسرائيل خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها. أي اعتداء على أرض مصر سيعني مواجهة مفتوحة لا تستطيع تل أبيب أن تتحمل عواقبها، وهنا يكمن الفرق بين هيبة القاهرة وحساسية الموقف في الدوحة.

وبوصفي أحد أبناء هذه المنطقة، أجد من واجبي أن أُعلن دعمي الكامل لدولة قطر ورفضي القاطع لهذا الاعتداء الغاشم. فالمساس بقطر هو مساس بكل الأمة العربية، واستهدافها في قلب عاصمتها وهي تضطلع بدور الوساطة لا يُعد فقط عدواناً على سيادتها، بل طعنة في صميم أي جهد عربي لإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية.

إن ما جرى في الدوحة يضعنا جميعاً أمام حقيقة مرة: إسرائيل، بما تملكه من دعم أمريكي مطلق، لن تتوقف عن تحدي العرب إلا إذا واجهتها جبهة موحدة. وهنا أجدّد ما نادت به مصر مراراً: ضرورة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، بعد إصلاح آلياتها وتطويرها بما يجعلها قادرة على العمل بفاعلية. فالوحدة العسكرية والأمنية العربية لم تعد خياراً، بل هي فرض عين إذا أردنا أن نصون كرامتنا وأمن عواصمنا.

إنني أقولها بصدق ومرارة: الاعتداء الإسرائيلي في الدوحة ليس مجرد حدث عابر، بل هو جرس إنذار للعرب جميعاً. إما أن ننتبه إلى خطورة ما يجري، فننهض بوحدة حقيقية، وإما أن نبقى فرادى نتلقى الضربات واحدة تلو الأخرى. ووقتها لن يكون أحد في مأمن، مهما كان تحت المظلة الأمريكية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى