حينما التقيتك نصوص شعرية تجمع بين التصوف والفلسفة والوجدان للدكتور نبيل طعمة

مشغل الصوت
إعداد وقراءة: محمد خالد الخضر
التنضيد الضوئي: علي عبد الوهاب الجاسم
في القصيدة التي تكوَّن منها الكتاب، للدكتور نبيل طعمة خَبَراَ من نوع آخر: يجمع بين الفكر الفلسفي من خلال المكونات الجميلة لتكون رمزًا في تشكيل مشاعره. يقول في قصيدته حين التقيتك:
هكذا أنت: شفاهٌ يطلُّ من بينها القمر،
يعبر بين الغيوم، يتبلل من نداها،
ليغدو أملًا.
نجد حداثة حقيقية ذات عراقة أصيلة تجمع بين المشاعر وفلسفة تحويلها في الحركة الشعرية، ولا سيما أن اللغة تتحرك بانتظام دون أي خلل في بناء وتوظيف الغرض الشعري، فتخوِّل بعض أجزاء الجسد الجميلة لتكون كونًا وعالمًا يُبهر المجتمع وينتمي إليه بشكل نقي، يتحرك وهو حر ومبهر. فلا شيء أجمل من القمر عندما يعبر الغيوم ويطل من شفاه جميلة.
ويقول:
لم يعد لي في موطني سوى أنتِ، والتراب، وآهات شوقٍ حزين.
لم يعد لي في وطني إلا شجرةُ جوزٍ وعصفورتانِ وشاطئٌ أمين.
لم يعد لي وطني إلا وطنٌ يملؤني بالحب والحنين.
ويتمرّد الشاعر طعمة على المألوفات، فيختار الجوز والعصافير والشواطئ والوطن لتكون ناتجًا عريقًا، فهي أنقى ما يجده ويختاره.
ويقول:
أسكتوا آلاف المدافع،
ووقفتُ في وجه الرصاص والقنابل،
وقفتُ في كثير من المواقع،
اختلفت، تنوعت، تلونت،
أخاف أمام دموعكِ أن أبقى أبرر،
وكثيرٌ عليَّ أن أدافع.
وهنا يمضي الشاعر الذي يعشق بنقاء ليجسد حركة ووجودًا في العلاقة بين الإنسان وحبه والمكونات الأخرى، باتجاه معنى يطرح كثيرًا من التساؤلات الفلسفية.
ويقول:
يا زهرةَ الياسمين،
أمرُّ بجانبكِ،
يجذبني من طرف عطركِ ليقابل وجهي وجهكِ،
أقطفكِ، أضمكِ،
أشمّ لون وجودي،
فأعرف أني أعيش ضمن مساحات شآمك.
ولا يتخلى الشاعر عن الموسيقى التي تتنوع غالبًا وتتمسك بمقوماتها، فيحذر من العيوب، ويربط بين نفسه وشعوره وبين الحضور الجمالي بشحنات إبداعية تسير على درب التراث، بأسلوب غنائي يحمل نقلة نوعية في الأنواع الشعرية وتاريخها، فكسر القيود، وربط بين الشام والحب، واخترق كل المألوفات، وأسس لحب جديد بعيد عن الخرافات.
ويقول:
سترَ النبيُّ عاشقين، وما كان بذلك نبيًّا،
رسولًا لم ينتبه أصحابه،
ماذا ستر؟ نعم، هو وحده رأى عاشقين فغفر.
نبيٌّ مؤمن: يا أيها السلام، سلامٌ عليك من المبتدأ إلى الخبر.
ويقول:
خادعتُهم متسليًا، حتى وصلتُ أمامكِ يا سيدتي الحرة،
أريدها علاقة إنسانية.
هي الصوفية عينها التي أثرت بحضور طعمة الشعري بكل وسائلها وعفويتها، ليكون على علاقة نقية بالإنسان والكون والموجودات الجميلة، ومحاولة التعاون بإحساس وشخصية متكاملة. فإن كان في المقطع السابق يشير إلى احترام النبي محمد ﷺ لعلاقات الحب العفوية التي غفر لها، فإنه يكمل: في هذا الحب يجب أن تكون إنسانية متكاملة.
ويقول:
لن أكون إلا كما أكون،
أخاطب السماء والنجوم،
أحاور العناكب والنمل والنحل،
أنتظر رحيل الغيوم.
هنا يعيش الشاعر طعمة مع التاريخ والموجودات المؤثرة لإيجاد فلسفة شعورية ذات عراقة أصيلة، وموازين تعتمد على مقومات الشعر.
ويقول طعمة:
الأطفال نتعلم منهم المكاغاة والبكاء،
نتعلم منهم الشقاوة والبراءة والضحكات العالية الرقيقة،
هم يلعبون، هم يكبرون،
ونحن بعد ذلك نختفي.
فالحب عند طعمة نُبلٌ وبراءة وصدق وشفافية؛ فهو أحلام جميلة وتفاؤل بمستقبل عريق، ويعتمد على ذوبان الأحاسيس المشتركة، والروح التي تبادل نظيرتها بمشاعر نقية. فالأطفال أكثر اقترابًا من البراءة والشفافية، فيربط براءة الأطفال بمستقبلهم، وفي الوقت عينه ينتهي دور الكبار في الحياة، فلا بد من النقاء.
ويقول:
دعني أتسلق جبالكِ،
وأقتحم، مرتميًا إلى وديانكِ،
دعني أغرس أظافري وأناملي،
أحفر أخاديد في رمل شطآنكِ.
الحب عند طعمة يؤدي إلى القوة والإحياء والرغبة في الحركة الإيجابية، بتفاعل واندماج ونفوذ إلى العمق، لظهور القيمة والقيم عبر الجماليات التي استخدمها في نصه الشفيف.
ويقول:
كنا مندهشين وودودين،
كنا رسمًا جميلًا في لوحة الأنبياء.
فالحب عنده ناتج مما يطرحه الأنبياء، وهذا عمق في النقاء والصوفية والفلسفة الأخلاقية المنسجمة مع العلاقات بين الإنسان والحياة الطبيعية والجمال، باستخدام القوى الشعرية الراقية.
ويقول:
من رفيف الأجنحة والغناء الجميل،
حينما التقيتك،
غارت الشمس، وغادرت بسرعة في كبد السماء،
حاولت أن تُشكِّل البحر.
يجسد طعمة العلاقة بين الشاعر والجماليات للتعبير عن الحب بأنواعه، فيجمع بين الذات والسماء والشمس والبحر، وما يمكّنه من الوصول إلى هدفه بالانفعالات والعواطف والأحاسيس، بأفكار ينتقيها بعد أن يرصدها.
ما يوحي به طعمة في شعره من أفكار فلسفية هو ناتج عن تجاربه وثقافته، وانفتاحه على عوالم مثيرة من خلال حبٍّ كبير يبعث في المتلقي رغبة في الحب والحيرة الجميلة.