رئيس التحريرسياسة

حين تُجرَح أيادي الخير: تحليل نقدي لمحاولات تشويه الدور المصري الإنساني في غزة

بقلم بهجت العبيدي رئيس التحرير 

في خضم الأزمة الإنسانية الطاحنة التي تعصف بقطاع غزة، حيث تتفاقم معاناة السكان جراء الحصار والدمار، تبرز الجهود المصرية المتواصلة لإغاثة القطاع كشريان حياة حيوي. ومع ذلك، تتصاعد أصواتٌ تسعى إلى التشكيك في هذه الجهود وتشويهها، في محاولةٍ مكشوفة للنيل من الدور المصري الإنساني والتاريخي. يستعرض هذا المقال هذه المحاولات، محللاً دوافعها ومفنداً مزاعمها، ومؤكداً على حقيقة الموقف المصري الذي يظل ثابتاً في دعم الشعب الفلسطيني.

تتجه القوافل المصرية المحملة بالمساعدات الإنسانية من دواء وغذاء نحو غزة، في مشهدٍ يعكس التزاماً أخلاقياً وإنسانياً راسخاً. هذه القوافل، التي تنطلق من سيناء، تمثل استجابةً عاجلة لنداء الضمير في ظل ظروفٍ إنسانية بالغة التعقيد. فبينما تتهاوى القلوب أمام مشاهد الجوع والدمار، وتتلاشى المسؤولية الدولية في دهاليز المصالح السياسية، تظل مصر صامدة في تقديم يد العون، مؤكدةً على دورها الريادي في المنطقة.

لكن للأسف الشديد فمع كل خطوة إيجابية تخطوها مصر نحو إغاثة غزة، ترتفع أصواتٌ لا تكتفي بالتشكيك، بل تتجاوز ذلك إلى الهجوم المباشر والتجريح في كل ما هو مصري. إن هذه الأصوات، التي تتظاهر بالمطالبة بمزيد من المسؤولية المصرية، سرعان ما تنقلب إلى حملة شرسة ومنظمة بمجرد أن تبدأ مصر في تنفيذ التزاماتها الإنسانية. إن هذا السلوك يكشف عن نوايا خبيثة، حيث لا يكمن الهدف في تحفيز مصر على الفعل، بل في إعاقتها عن مواصلة دورها الإنساني.

ومن أبرز الأمثلة على هذه المحاولات المشبوهة، الدعوة الفلسطينية للتظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب. هذه الدعوة، التي صدرت عن جهة تدعي أنها تمثل “اتحاد أئمة المساجد في الداخل الفلسطيني”، تثير تساؤلات عميقة حول الأجندات الحقيقية وراءها. فكيف يمكن لمن يدعي تمثيل الهدى والتعقل أن يحرض ضد من يقدم المساعدة والإغاثة لأهل غزة، بينما يتجاهل تماماً من يمارس القصف والحصار والتجويع؟ إن تنظيم مظاهرة في قلب إسرائيل، الكيان الذي يقتل الفلسطينيين ويدمر أرضهم ويجوع أطفالهم، ضد مصر، وليس ضد الاحتلال، هو مشهدٌ مقلوب يفتقر إلى أي منطق أو عقلانية. فبدلاً من توجيه اللوم لمن يمنع الوقود والدواء، وقبل ذلك يعيث فسادا في قطاع غزة يسيم أهلها الويل والثبور فيقتل الأطفال والنساء والشباب والكهول ويهدم المنازل ويقصف المستشفيات والمدارس بدلا من توجيه اللوم للعدو الغاصب القاتل المجرم يتم توجيهه إلى القاهرة التي تفتح المعبر وتمد يد العون وتطهو الخبز لأطفال غزة في العريش. هذا التناقض الصارخ يكشف عن محاولة واضحة لتزييف الوعي وإعادة تعريف العدو، خدمةً لأجندات لا تمت بصلة للقضية الفلسطينية أو للمبادئ الإسلامية.

إن ما يدمي القلب حقاً هو أن تصدر مثل هذه الدعوات التحريضية من جهات تحمل صفة “أئمة”، بينما تمارس دوراً يتنافى تماماً مع جوهر الدين والأخلاق والمروءة. فالإمام الحقيقي هو من يدعو إلى الخير والرحمة، لا من يحرض ضد من يطعم ويداوي. إن تحويل منابر العبادة إلى أبواق للتحريض ضد مصر، بدلاً من أن تكون منارات للدعاء لنصرة أهل غزة ودعم من يعينهم، يمثل انحرافاً خطيراً عن الدور الديني والاجتماعي للمسجد.

إن مرور عشرات القوافل المصرية إلى غزة يؤكد أن مصر لا تكتفي بالخطابات، بل تترجم أقوالها إلى أفعال ملموسة. ومع ذلك، يبدو أن هذا الفعل يزعج أطرافاً معينة، ويهدد سردياتهم الزائفة، ويفضح عجزهم. فبدلاً من توجيه أصابع الاتهام لمن يحاصر غزة، يتم توجيهها إلى من يفتح كوة في جدار العتمة، في محاولة يائسة لوقف تدفق المساعدات وإبقاء القطاع في دائرة المعاناة.

لا تقتصر محاولات التشويه على الداخل الفلسطيني، بل تمتد لتشمل الخارج أيضاً. فقد شهدنا مشاهد مؤلمة لبعض الأفراد الذين أغلقوا أبواب السفارات المصرية في الخارج، في محاكاة ساخرة لما يتهمون به مصر من “إغلاق الأبواب في وجه غزة”. هذه الأفعال، التي تتجاهل الواقع الذي يؤكد أن مصر، رغم كل الضغوط، تبقي بابها مفتوحاً وتواصل إرسال قوافلها إلى باب معبرها المفتوح على مصراعيه دوما من جانبها، تكشف عن حملة منسقة تهدف إلى تشويه صورة مصر والنيل من جهودها.

وفي خضم هذا الضجيج الممنهج، يخرج خليل الحية، القيادي في حركة حماس، من قصره الفخم في الدوحة، لا ليُخفف آلام أهله في غزة، بل ليُحمّل مصر — زورًا وبهتانًا — مسؤولية الحصار، متجاهلًا عمدًا أن من يحاصر ويقصف ويجوّع ويمنع الماء والدواء هو الكيان الصهيوني.

يهاجم الحية مصر وهو يعلم — أكثر من غيره — حجم القوافل التي خرجت من معبر رفح، والجهد الذي لا يتوقف في القاهرة سياسيًا وإنسانيًا من أجل غزة.

لكنه يختار أن ينكر، ويختار أن يُجمّل الصورة أمام مموليه، وأن يردد ما يرضي أجندات الخارج، حتى لو جاء ذلك على حساب دماء الجائعين.

كيف يمكن لمن يعيش في أجنحة الفنادق ويأكل على موائد الأمراء أن يزعم أنه صوت غزة؟

لو كان صادقًا، فليغادر تلك القصور، وليقف في طابور الخبز، أو يشارك أهل غزة لحظة انقطاع الماء، أو انتظار الإسعاف الذي تأخر بسبب الحصار.

حينها فقط سيدرك — ولو متأخرًا — كم أن موقف مصر كان نبيلًا، وكم أن الأكاذيب التي يطلقها لا تصمد أمام مشهد أم مصرية تُجهّز شاحنة محمّلة بالدواء والغذاء لأولاد غزة.

إن ما قاله الحية ليس فقط نكرانًا للجميل، بل هو انحياز مخزٍ لمن يطيل أمد المأساة من أجل بقاء وهم السلطة والسيطرة، ولو على أنقاض وطن وشعب.

إن القوافل التي تسير من العريش إلى غزة ليست مجرد شاحنات تحمل مساعدات، بل هي صفعة أخلاقية على وجه كل من تاجر بالقضية، وتخاذل عن نصرة الشعب الفلسطيني، وهاجم من يقدم له العون. فمصر، رغم كل الألم والطعنات، ستواصل فعلها الإنساني، ليس منّةً أو بحثاً عن مدح، بل وفاءً لدورها الطبيعي والتاريخي. في زمنٍ يتظاهر فيه بعض الفلسطينيين ضد مصر في تل أبيب، تظل القاهرة هي الوحيدة التي ترسل الدواء لمن يتظاهر، والكهرباء لمن يحرض، والغذاء لمن يتألم، مدركةً أن واجبها لا يسقطه نكران ولا يوقفه افتراء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى