أخبار عربيةغير مصنفمقالات

أزمة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بعد التصعيد الإيراني الإسرائيلي: خريطة صراع معقّدة

بقلم حميدو صقر

مقدمة

تدخل منطقة الشرق الأوسط منعطفًا خطيرًا بعد اشتداد الصراع بين إيران وإسرائيل، الذي تجاوز ساحات الحرب التقليدية ليضرب العمق السياسي والعسكري لدول الخليج، خاصة في ظل استهداف قواعد أمريكية في قطر، وتصعيد عمليات الاغتيال التي تقودها إسرائيل ضد القادة والعلماء الإيرانيين. هذا المقال يرصد تطورات هذه الأزمة وآثارها الإستراتيجية على الخليج والعالم.

أولًا: جذور الصراع الإيراني الإسرائيلي

1. عداء عقائدي واستراتيجي
بعد الثورة الإيرانية عام 1979، تبنت طهران خطابًا مناهضًا لإسرائيل، ورفعت شعار دعم المقاومة في فلسطين ولبنان، وهو ما جعلها في صدام مباشر مع المصالح الإسرائيلية.

2. محور المقاومة في مقابل محور التطبيع
إيران تدعم فصائل مثل حزب الله، حماس، والحوثيين، بينما أقامت إسرائيل تحالفات مع دول خليجية (الإمارات، البحرين، والسعودية غير رسميًا) في ظل اتفاقيات التطبيع.

ثانيًا: الاغتيالات الإسرائيلية ضد القادة والعلماء الإيرانيين

إسرائيل تنتهج منذ سنوات سياسة الاغتيالات الدقيقة لضرب ما تسميه “البنية التحتية النووية والأمنية الإيرانية”، ومن أبرز العمليات:

● اغتيال العلماء النوويين:

محسن فخري زاده (2020): أبرز علماء الطاقة النووية، وقائد البرنامج النووي العسكري الإيراني. اغتيل قرب طهران في عملية معقدة نسبت إلى الموساد.

داريوش رضائي نجاد (2011) ومسعود علي محمدي (2010): علماء نوويون تم اغتيالهم في عمليات شبيهة.

● استهداف القادة العسكريين:

قاسم سليماني (2020): قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، اغتيل بغارة أمريكية في بغداد بالتنسيق مع معلومات استخبارية إسرائيلية.

حسن صياد خدائي (2022): ضابط بارز في فيلق القدس، قُتل بالرصاص في قلب طهران.

محمد رضا كدوارزي (2023): ضابط هندسة صاروخية في الحرس الثوري، قُتل بانفجار غامض داخل منشأة عسكرية قرب أصفهان.

هذه الاغتيالات تعكس التنسيق العميق بين إسرائيل وأمريكا في مواجهة النفوذ الإيراني، وتُقابلها إيران بتهديدات وردود عبر الحلفاء.
ثالثًا: استهداف القواعد الأمريكية في الخليج – قطر نموذجًا

● القاعدة الأمريكية في “العديد” – قطر

تُعد من أكبر القواعد الأمريكية في المنطقة، وتضم أكثر من 10 آلاف جندي.

خلال موجات التصعيد، شنت فصائل مدعومة من إيران، مثل كتائب حزب الله العراقي، هجمات بطائرات مسيرة على مواقع داخل “العديد”، في فبراير ومارس 2024، أدت إلى إصابة منشآت لوجستية دون وقوع إصابات مباشرة.

● الرسائل الإيرانية من هذه الضربات:

الضغط على واشنطن لخفض دعمها لإسرائيل.

التحذير من تورط دول الخليج التي تستضيف القواعد في أي صراع موسع.

تعزيز الحضور النفسي الإيراني كقوة قادرة على تهديد المصالح الأمريكية في الخليج.

رابعًا: تداعيات التصعيد على منطقة الخليج

1. تهديد مباشر للاستقرار الإقليمي
أي توتر بين إيران وإسرائيل يجعل دول الخليج في مرمى النيران، سواء بسبب وجود القواعد العسكرية، أو نتيجة تقاطع مصالحها مع أحد الطرفين.

2. سباق التسلح والتأهب الأمني
السعودية والإمارات رفعتا درجة التأهب، ووقعتا صفقات دفاعية جديدة مع الغرب، خاصة فيما يخص الدفاع الجوي والطائرات المسيرة.
3. خسائر محتملة في الاستثمارات والسياحة
استمرار التوتر يؤثر على بيئة الاستثمار، ويهدد خطط التحول الاقتصادي لدول مثل السعودية وقطر والإمارات ضمن رؤى 2030.

خامسًا: الأبعاد الدولية للصراع

1. الولايات المتحدة: شريك في الصراع ومراقب حذر
رغم دعمها الكامل لإسرائيل، تحاول واشنطن احتواء التصعيد حتى لا يُستنزف وجودها في المنطقة أو يؤثر على علاقاتها مع الخليج.

2. روسيا والصين: ورقة ضغط ضد الغرب
الصين تميل نحو دعم استقرار المنطقة وتدفع باتجاه تهدئة بين إيران والخليج.
أما روسيا، فتستغل الأزمة لتحسين موقعها التفاوضي في قضايا أوكرانيا والطاقة.

سادسًا: سيناريوهات مستقبلية..

الحرب المفتوحة مواجهة مباشرة تشمل إيران، إسرائيل، وربما حزب الله والحشد الشعبي. انهيار اقتصادي في الخليج، وانقطاع سلاسل التوريد النفطية.
احتواء التصعيد تدخل أمريكي وخليجي للتهدئة عبر الوساطة. بقاء الصراع في إطار الضربات المحدودة وحرب الظل.
اتفاق أمني إقليمي مفاوضات سرية بين إيران وإسرائيل عبر وسطاء (عمان، تركيا، قطر). تخفيف التوترات وتثبيت الوضع في سوريا ولبنان.

خاتمة

ما يجري بين إيران وإسرائيل لم يعد صراعًا تقليديًا، بل بات مركّبًا ومتعدد الجبهات، تُستخدم فيه الطائرات المسيّرة والاغتيالات والحروب النفسية، وينعكس مباشرًا على أمن الخليج العربي. المطلوب اليوم هو إعادة بناء منظومة إقليمية جماعية للأمن، توازن بين الردع والتعاون، وتمنع الانزلاق نحو حرب قد تكون الأسوأ في تاريخ المنطقة.
كتب حميدو حامد صقر
عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية والباحث بالقانون الدولي الإنساني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى