مقالات

منطقة القرن الأفريقي  أزمة دائمة في قلب المصالح الدولية

مشغل الصوت

بقلم: حميدو حامد صقر

عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية

باحث في القانون الدولي الإنساني

 

تُعد منطقة القرن الأفريقي واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا وتعقيدًا ليس فقط بسبب تاريخها الممتد من الصراعات الداخلية والانقسامات العرقية والسياسية بل أيضًا بسبب موقعها الجغرافي الفريد الذي جعلها ساحة مفتوحة لتنافس إقليمي ودولي دائم. فمنذ عقود لم تعرف هذه المنطقة استقرارًا حقيقيًا بل تعيش في حالة أزمة شبه مستمرة تتجدد أشكالها وتختلف أدواتها بينما تظل الأسباب الجوهرية قائمة.

أولًا الموقع الجغرافي نعمة تحولت إلى نقمة

يمثل القرن الأفريقي بوابة استراتيجية بين البحر الأحمر والمحيط الهندي ويطل على واحد من أهم الممرات الملاحية في العالم وهو مضيق باب المندب. هذا الموقع جعل دول المنطقة الصومال إثيوبيا إريتريا جيبوتي والسودان بدرجة ما محل اهتمام دائم من القوى الكبرى لكنه في الوقت ذاته حوّلها إلى مسرح صراع على النفوذ والقواعد العسكرية والموانئ بدلًا من أن يكون مصدرًا للتنمية والاستقرار.

ثانيًا الدولة الهشة وجذور الصراع الداخلي

تعاني أغلب دول القرن الأفريقي من هشاشة بنيوية في مؤسسات الدولة تعود جذورها إلى الإرث الاستعماري الذي رسم حدودًا سياسية مصطنعة تجاهلت التكوينات العرقية والثقافية. وقد أدى ذلك إلى صراعات داخلية مزمنة كما في الصومال أو نزاعات أهلية مسلحة كما شهدت إثيوبيا في إقليم تيجراي فضلًا عن النزاعات الحدودية التي لم تُحسم تاريخيًا.

ثالثًا تدويل الأزمات وتحويلها إلى صراعات بالوكالة

لم تعد أزمات القرن الأفريقي شؤونًا داخليةبل تحولت إلى ملفات دولية تُدار عبر الوكلاء. فالتدخلات الأجنبية سواء تحت غطاء مكافحة الإرهاب أو حماية الملاحة الدولية أو الاستثمار في الموانئ أسهمت في تعقيد المشهد بدلًا من حله. وأصبح السلاح والتدخل السياسي الخارجي جزءًا من معادلة الصراع لا أداة لإنهائه.

رابعًا البعد الإنساني الغائب

رغم أن القرن الأفريقي من أكثر مناطق العالم معاناة إنسانيًا حيث المجاعات والنزوح القسري وانتهاكات حقوق الإنسان فإن البعد الإنساني غالبًا ما يُختزل في بيانات إغاثية موسمية دون معالجة جذرية لأسباب النزاع. ويظل المدني هو الضحية الأولى في صراعات لا يملك قرارها ولا أدواتها في انتهاك صريح لقواعد القانون الدولي الإنساني.

خامسًا التداعيات الإقليمية والأمن القومي العربي

لا يمكن عزل أزمات القرن الأفريقي عن الأمن القومي العربي خاصة أمن البحر الأحمر ومصر على وجه الخصوص. فعدم الاستقرار في هذه المنطقة ينعكس مباشرة على الملاحة الدولية وأمن الطاقة وقضية مياه النيل ما يجعل تجاهلها أو التعامل معها بردود أفعال مؤقتة خطأً استراتيجيًا جسيمًا.

خاتمة

إن أزمة القرن الأفريقي ليست قدرًا محتومًا لكنها نتيجة تراكمات سياسية وتدخلات خارجية وغياب مشروع إقليمي حقيقي للتنمية وبناء الدولة. ولن يكون الحل عبر عسكرة المنطقة أو تدويل أزماتها بل من خلال دعم مسارات الاستقرار الداخلي واحترام سيادة الدول وتغليب الحلول السياسية على الأمنيةمع وضع الإنسان في قلب أي تسوية مستقبلية.

فالقرن الأفريقي سيظل أزمة دائمة، ما لم يُعاد تعريفه من كونه ساحة صراع إلى فضاء تعاون إقليمي يخدم شعوبه قبل مصالح الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى