الخليج العربي ما بين صندوق النقد الدولي ومجلس التعاون
قراءة نقدية في حدود التدخل وجدلية السيادة الاقتصادية

مشغل الصوت
لم يعد تد خل صندوق النقد الدولي في الشؤون الاقتصادية للدول ظاهرة عابرة
بل أصبح نمطًا مؤسسيًا يتجاوز حدود المشورة الفنية إلى إعادة تشكيل السياسات العامة وفق نموذج اقتصادي واحد يُقدَّم باعتباره الحل الأمثل بينما يغفل خصوصيات المجتمعات والدول. وفي هذا السياق، يبرز الخليج العربي بوصفه حالة خاصة تثير تساؤلات عميقة حول مدى الحاجة الفعلية لتدخل الصندوق، وحدود هذا التدخل، ودور مجلس التعاون الخليجي كإطار إقليمي بديل أو موازن.
أولًا: خصوصية الحالة الخليجية
تتمتع دول الخليج العربي بسمات اقتصادية تختلف جذريًا عن الدول التي اعتاد صندوق النقد التدخل فيها فهي
تمتلك فوائض مالية واحتياطيات نقدية ضخمة
تعتمد على اقتصاد ريعي نفطي مع توجه متزايد للتنويع
تملك صناديق سيادية تُعد من الأكبر عالميًا
ورغم ذلك، لم تتوقف تقارير الصندوق عن الدعوة إلى
تقليص الدعم الحكومي
فرض ضرائب جديدة
تحرير أسعار الطاقة
تقليص دور الدولة في الرعاية الاجتماعية
وهي توصيات تُطرح غالبًا بمنطق كوني موحد، لا يراعي الخصوصية الاجتماعية والسياسية لدول الخليج
ثانيًا: صندوق النقد بين المشورة والضغط
يدّعي صندوق النقد أنه يقدم نصائح فنية لكن الواقع يكشف عن ضغط غير مباشر عبر
تقارير تقييم دورية تؤثر في التصنيفات الائتمانية
توجيه المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية
خلق حالة من القلق المصطنع
بشأن الاستدامة المالية.
ويكمن الخطر في أن تتحول هذه المشورة إلى قيد على القرار السيادي خاصة عندما تتبناها بعض الحكومات بدافع القلق من الأسواق لا من الواقع الداخلي.
ثالثًا: مجلس التعاون الخليجي كبديل غائب الحضور
أُنشئ مجلس التعاون الخليجي ليكون إطارًا للتكامل الاقتصادي والسياسي إلا أن دوره في
تنسيق السياسات المالية
بناء آليات إنقاذ إقليمية
بلورة نموذج تنموي خليجي مستقل
ظل محدودًا مقارنة بما تفرضه التحديات.
فلو كان المجلس قد فعّل أدواته بفاعلية لما احتاجت بعض دوله إلى الاستماع المتكرر لتوصيات مؤسسات دولية لا تتحمل كلفة القرارات اجتماعيًا.
رابعًا: الكلفة الاجتماعية للإصلاحات
أخطر ما في وصفات صندوق النقد أنها تنجح حسابيًا وتفشل اجتماعيًا. فخفض الدعم ورفع الضرائب قد يحقق توازنًا في الموازنة، لكنه
يضغط على الطبقة الوسطى
يوسع الفجوة الاجتماعية
يهدد العقد الاجتماعي القائم بين الدولة والمجتمع.
وفي مجتمعات الخليج حيث الاستقرار الاجتماعي عنصر أساسي من عناصر الأمن القومي، تصبح هذه السياسات مغامرة محسوبة بالأرقام لا بالواقع.
خامسًا نحو رؤية خليجية مستقلة
ليس المطلوب القطيعة مع المؤسسات الدولية بل
إعادة تعريف العلاقة معها
تحويل الصندوق إلى مصدر معرفة لا وصاية
تفعيل مجلس التعاون كمظلة اقتصادية حقيقية.
إن الخليج العربي يمتلك من الإمكانات ما يؤهله لصياغة نموذج إصلاحي خاص به يستند إلى التدرج والعدالة الاجتماعية وحماية السيادة الاقتصادية.
وختاما
يبقى السؤال الجوهري
هل يحتاج الخليج العربي إلى صندوق النقد الدولي أم يحتاج إلى إرادة خليجية مشتركة تُحسن إدارة الثروة وتوازن بين الإصلاح والاستقرار
الإجابة لا تكمن في تقارير واشنطن بل في عواصم الخليج نفسها.



