فيلم الست … جريمة ثقافية مكتملة الأركان بحق مصر ورموزها الوطنية

مشغل الصوت
بقلم د. معتز صلاح الدين
كاتب صحفى ومستشار إعلامى
ما تضمنه فيلم «الست» ليس خلافًا فنيًا، ولا قراءة مختلفة للتاريخ، ولا حتى اجتهادًا إبداعيًا يمكن مناقشته.
ما جرى هو اعتداء صريح وصارخ من المدعو ترك آل الشيخ وهيئته الترفيهية على رمز وطني مصري، ومحاولة خسيسة لإعادة تشكيل الوعي العربي عبر النيل من قامة بحجم أم كلثوم، التي لم تكن مجرد مطربة، بل إحدى أدوات الصمود الوطني المصري في أصعب مراحل التاريخ.
أم كلثوم كانت رمز دولة بصوتها ، وجيشًا بأغانيها ، وراية تُرفع حين تنكسر الرايات.
حين انكسر الوطن بعد نكسة 1967، لم تهرب، ولم تساوم، ولم تصمت، بل خرجت تجوب العواصم، تجمع المال بصوتها وحفلاتها ، وتُعيد الثقة، وتضخ ملايين الجنيهات في شرايين المجهود الحربي المصري حيث جمعت ما يساوى ثلاثة ملايين دولار وهو مبلغ كبير بمقاييس تلك الأيام
من يتجاهل هذا الدور، أو يتعمد تهميشه، إنما يزوّر التاريخ بدم بارد.
الفيلم لا يسيء إلى أم كلثوم وحدها، بل يسيء إلى مصر ذاتها لأن ام كلثوم أحد رموز مصر العظيمة.
يسيء إلى فكرة الرمز، وإلى معنى الانتماء، وإلى مفهوم القوة الناعمة التي صنعت لمصر مكانتها في وجدان العرب. وهو جزء من نمط مرفوض، يسعى إلى تفكيك الرموز المصرية واحدة تلو الأخرى، تحت لافتة “الفن” و”الجرأة” و”الطرح المختلف”.
الأخطر والأكثر خزياً، أن يتم هذا العبث بأيدٍ شاركت من داخل البيت المصري.
وهنا لا مجال للمجاملات ولا للأعذار: من يشارك في عمل يُشوّه رمزًا وطنيًا، ويتجاهل حقائق التاريخ، يتحمّل مسؤولية أخلاقية كاملة، ولا يحق له الاحتماء بادعاءات الإبداع أو حرية التعبير ومكانه الطبيعى مزبلة التاريخ..
فحرية التعبير لا تعني حرية الهدم، ولا تعني المشاركة في مشاريع تنال من ذاكرة الوطن.
القضية ليست فنية، وليست شخصية، وليست موسيقية.
القضية سيادية ثقافيًا.
مصر التي قدّمت أم كلثوم، وقدّمت عبد الوهاب، وقدّمت نجيب محفوظ، وقدّمت جيشًا قاتل وانتصر، لن تسمح بتحويل رموزها إلى مادة للابتذال أو التشكيك أو إعادة التدوير المشبوه.
أم كلثوم كانت وستظل سيدة الغناء العربي، وصوت الحب حين يكون شريفًا، وصوت الوطن حين يكون جريحًا، وصوت الكبرياء حين يُراد كسره.
وكل محاولة للنيل منها، مهما تلونت، ستسقط أمام وعي شعب يعرف رموزه، ويحفظ تاريخه، ولا يقبل أن يُكتب تاريخه بأقلام مأجورة أو رؤى معادية.
هذه ليست معركة فن…
هذه معركة ذاكرة وهوية وكرامة وطن.


