ثقافة وفنون

مقارنة فكرية ومعنوية: شعر نبيل طعمة ورسول حمزاتوف  تحليل وتقريب بين رؤى التجربتين

مشغل الصوت

قراءة وإعداد: محمد خالد الخضر

 

يُقدِّم هذا التحليل مقارنة معمقة بين النصوص الشعرية للدكتور نبيل طعمة والشاعر رسول حمزاتوف، مُركزًا على التباينات والتشابهات الفكرية والمعنوية التي تُميِّز مسار كل منهما.

*/ نبيل طعمة: التحرر الفلسفي والجرأة الروحية

نجد أن الدكتور نبيل طعمة في خواطره ونصوصه الشعرية يخرج عن المألوف بأسلوبه التعبيري، مُحافظًا على المنطق وغير مُغيِّر في الحقيقة. بالنظر إلى ما اقتطفناه من كتابه “بين الحب والآه”، نجده يذهب بشكل فلسفي عميق ليُميِّز بين الخير والشر وسبل الالتزام بالحق بشجاعة. فعدم الخوف لديه يعني الالتزام المطلق بالسلوك الصحيح والنقاء.

يقول طعمة في رؤية إيمانية جريئة ومتحررة:

أَعترفُ بأني لا أخافُك وأُصِرُّ أني لا أخافُك فالخوفُ لغةُ العبيد وأنا حُرٌّ من أحرارِ عبادِك أَعلمُ قيمةَ جلالِك ومهابِك وجمالِك لذلك تجدُني الآن واقفًا أنتظرُ أن تفتحَ بابَك

ويختزل طعمة الطريق ليُبهر المتلقي ويشد انتباهه بشكل خاص. وفي يوم الحساب، يتخيل وقوفه بشجاعة للإجابة، مُشيرًا إلى أن بعض المعصيات التي يوهم بها المُفسرون قد تكون غير دقيقة. يقول:

دَعْني في معصيتي إلى أن ألتقيَك في حياتي فلا بُدَّ هذا حاصل أكونُ حينها السائلَ وتكون أنتَ السميعَ المُجيب

وبذلك، يُدرك طعمة من خلال فلسفته الفكرية أنه سيعرف كل ما يجهله. ثم يستخدم بساطة اللغة وسرعة التعبير ليُدهش القارئ ويصل به إلى الحق والإيمان، استجابةً للمشاعر التي تمر عبر الثقافة والفلسفة. ورغم التركيب الثقافي الذي يحتاج إلى تأمل، فإنه يلفت الانتباه ويستدعي حضور التفكير والانتباه لما هو غير مألوف في الواقع الذي غالبًا ما يذهب إلى التطرف.

كما يُقدِّم رؤيته للوجود الإنساني والأرض كوعاء للحضارة:

سِرْ على الأرض هَوْنًا وانتبهْ ضَمَّتْ بها أجدادَنا وعقولَ مَن خَطُّوا لنا سرَّ الحياة وأسرارَنا زرعوا بها كلَّ الورود والثمارَ والزهور منها كانتْ أفكارُنا في عقلِنا

يعتمد طعمة على الخيال والزمن والفكر من خلال لغة هي عنصر هام، حيث اشتغل الخيال في مساحاتها ومكوناتها إلى حدود مُناقِضة للواقع، ليصل إلى المنطق الفلسفي الحقيقي.

*/ رسول حمزاتوف: الصديق والأرض وذكرى الخلود

هذا التوظيف للخيال في التحولات التعبيرية يتشابه به طعمة مع الشاعر رسول حمزاتوف. يقول حمزاتوف في قصيدته “تمني”، مُبرزًا قيمة الصداقة والدعم المعنوي:

أتمنى لكم مِثْلَ ذلك الصديق الذي يقول في اللحظة الصعبة غير السعيدة كلمةً تكون مُنقِذةً بالنسبة لكم

تظهر قيمة المكان كأحد المُقوِّمات التي أثارت مشاعر وإحساس حمزاتوف، علماً أن المنظورات عادت بشكل دلالي أجمل، مرتبط بالواقع والوجدان. وإن عاد المكان بشكل آخر من خلال خياله، فإنه يعكس ارتباطًا وجوديًا به:

فليَكُنْ لي أن أغدو جزءًا من الأرض التي حررتها بالمعارك، هذه الأرض التي أعيش اليوم فوقها بكل جوارحي

وفي تناقض بين الهدوء وواقع الصراع، يقول:

تَهزُّ الأمُّ وليدَها في القرية وفي مكانٍ ما تحت القمر الأصفر يَعلو صفيرُ الطلقات النَهِمَة

*/ تقاطعات الرؤى: الإنسانية والجمال المنهجي

وثمة مناهج فكرية وتصويرية يتشابه بها نبيل طعمة ورسول حمزاتوف، أبرزها رؤية الخلود في الأثر والذكرى، حيث يقول رسول حمزاتوف:

كلنا سنموت… لن نعيش إلى الأبد هذا معروف وليس بجديد. لكننا نَحْيَا كي تبقى لنا ذكرى بيتٌ أو طريق… كلمةٌ أو شجرة.

هنا، نجد أن الفكرة أو الرؤية الجمالية، كما هي عند نبيل، ابتعدت عن المكان الضيق وعكست ثقافة الشاعر وتطلعاته وعلاقاته وصلته بمجتمعه. تبلورت قدرة كليهما على مزج الخيال بكيفية استخدام اللغة والتعبير بصورة جمالية مُدهِشة ومُبتكَرة، مُعبِّرة عن رؤاهما الفلسفية المنهجية بشكل جمالي.

وإن أهم ما يتشابه به نبيل ورسول هي الرؤى الإنسانية الصادقة والمحبة. إنهما يتفقان على المنطق الذي يصل بالإنسان إلى حب الإنسان والنقاء والابتعاد عن الشر، وصولاً إلى إيمان ومعتقدات بعيدة عن الزيف والتطرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى