منوعات

قراءة مقارنة بين نصين للشاعرين رضا رجب والدكتور نبيل طعمة

مشغل الصوت

إعداد: محمد خالد الخضر

 

تختلف الرؤى بين الشاعرين الكبيرين، ويختلف المنهج التطبيقي في تركيب النص الشعري، برغم التشابه الجلي في الانفعال الوجداني الذي يشكل أرضية الانطلاق لكليهما.

الدكتور نبيل طعمة: الحب بوابة الفلسفة والوجود

يستهل الدكتور نبيل طعمة نصه بمناجاة وجدانية تنضح بالعمق الإنساني، كما في قوله:

> لم أستطع.. البقاء في داخلي

> مدّي يدك.. وأنجديني

> من عمقي القابع

> فيه أنا

> لأكون بجانبك

> محبّاً وحبيباً

 

إن البداية بالحب لا تلبث أن تكون مفاجأة للقارئ، إذ سرعان ما تتحول القصيدة إلى رؤى أخرى، فلسفية وصوفية، تأخذ القارئ إلى فضاءات أوسع تخص الإنسان والوطن والكرامة والوجود الأخلاقي.

وفي هذه التحولات الشعورية والفكرية والفلسفية، تتحقق الشعرية النابعة من الوجدان في الانتقال من البنية المجردة في التماثل إلى الدلالة المؤدية إلى التباين، وصولاً إلى علاقة وتعالق بين اللغة والفكر. ينتهي النص إلى مضمون مترابط نتيجة الإيمان بما يذهب بالإنسان إلى عدم التورط بمخالفة الخالق، من خلال نقاء الحب والوفاء للوطن والإنسانية، المبنية على التكامل الأخلاقي.

وعبر تحولات النص، نجد تنسيقاً خاصاً للأفعال وحدوثها، وانتقالها من التصور والتخييل إلى الحركة والفاعلية التي تصل إلى علاقة جدلية وإلى حب ما يجب أن نحبه. وهناك ربط دقيق بين المكان والزمان واستحضار ما مرّ في الدهر من خطوب. ويستحضر طعمة في كثير من عباراته التضاد التعبيري المرتكز على انفعال شعوري وجداني، حتى يصل في النتيجة إلى كشف وتوضيح ما يسعى إليه. إنه يصل إلى فكرته المنشودة، إضافة إلى وجود جمالي يشمل آثار الزمن على المكان، وربط كل المؤثرات التصويرية بالمحبة.

ومن قصيدته “عندما ألتقيك” نجد تجسيداً لما نتحدث عنه، حيث يقول:

> حوِّليني في يدك قلماً.. اكتبي بي.. على صدرك.. على نهدك.. على خصرك.. على وجهك.. أحبك.. أُجيبك نعم.

> تسأليني وأسألك..

> من أنتِ

> أنتِ تشكيلية.. سياسية.. تجريدية.. تكعيبية.

> أنتِ لوحة فنية.

> فيها كل ساعاتي.. ووثائقي

> فيها الثواني

> أعدُّ بها نبضي

> فأعرف أنك سورية.

 

وهكذا، نجد أن الحب يمر عبر فلسفة يصل منها إلى الوطن، ليصبح جسراً بين الوجدان الفردي والمصير الجمعي.

 

رضا رجب: الالتزام بـ “انبثاق العاطفة” والتاريخ الغرامي

في قراءة مجموعة “أساطير” للشاعر رضا رجب، نجد الأمر مختلفاً. فبرغم أن الدلالات والنتائج تختلف بين طعمة ورجب، إلا أنه من الواضح أن الرؤية نقية مع شدة الخلاف. يقول رجب:

> بعد الذي كان من ليلى وجارتها

> أبعد قصة عارٍ أقبل العارا

> فكيف عدتِ لقلبي.. عدتِ واثقة

> أن ينحني لكِ إجلالاً وإكبارا

 

يلتزم الشاعر رضا رجب بـ “انبثاق العاطفة” التي سببتها الحبيبة، في سعي لإثبات وجود النص العاطفي عبر التاريخ، كما فعل جميل بثينة وقيس العامري وغيرهما. فالشعر هنا متصل عضوياً وعاطفياً بالمرأة تحديداً، بالرغم من أن الشاعر كان في ذروة الانفعال دون أن يتخلى عن هيبة الموهبة والأثر اللغوي والثقافي في التحولات الفنية التي بُني عليها النص الشعري.

الخطاب شخصي يجمع بين المحبة والعتاب، في تحويل ثقافي وجداني إلى حب كبير للمرأة التي يخاطبها. وفي قصيدته “أحب كنوز الأرض” يقول:

> أتطلب مني أن أعيد الرسائلا

> وهل يصبح الحب المقدس قاتلا

> تفاصيل تاريخي فكيف أعيدها

> وأُطعم رداً للظى وبلابلا

 

وتبدو النزعة التقديسية الحسية للحب واضحة، دون أن يتعرض للأخلاق بأي غلط. يهتم رجب بـ المكان أكثر من الزمان؛ إذ لا توجد للزمان القيمة التي للمكان، لأنه ربط الموجودات بالمحبة. اعتمد على عاطفته وتركيزه على إقناع الحبيب بالوفاء والاهتمام بالعاطفة الكبيرة من خلال ذاته القلقة التي تعكس الصراع الذي أوجدته الحبيبة في نفسه. يقول:

> زوت من أجلك الأبحار والجُزُرا

> حتى توهمت أني عدت منتصرا

 

نجد أيضاً أنه التزم بالوحدة الفنية والموضوعية، وجماليات اللغة والصورة.

 

خلاصة المقارنة

في المحصلة النهائية، يُجسد الدكتور نبيل طعمة نصاً يبدأ بالذات الغارقة في الحب لينطلق بها إلى قضايا الوجود والوطن، محققاً تحولاً شعورياً وفكرياً عميقاً. في المقابل، يمثل الشاعر رضا رجب حالة من الانغماس في العاطفة الإنسانية التي تستحضر تاريخ الغرام في الشعر العربي، ملتزماً بالوحدة الفنية والتقديس الحسي للمرأة والمكان.

لكل منهما جماله المختلف عن الآخر، ما يثري المشهد الشعري ويؤكد على أن الوجدان المشترك يمكن أن يتجسد في رؤى فنية ومنهجية متباينة، لكنها جميعاً تنشد الارتقاء بالكلمة والمشاعر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى