الرغبة وخطر الفقدان

مشغل الصوت
بقلم: هدى حجاجي أحمد – مصر
هناك شيء غريب يحدث في حياة الإنسان: كلما رغِب في شيء بشدّة، كلما شعر وكأن مصيره الابتعاد عنه.
ربما لاحظتِ هذا في حياتك، وربما لاحظه آخرون من حولك. يبدو الأمر كقانون خفي، رابط غير مفهوم بين شدّة الرغبة والرحيل أو الفقدان.
عندما نريد شيئًا بشدّة، نفقد القدرة على التوازن.
ننسى أن هناك حدودًا للعقل، وأن المنطق موجود لمساعدتنا على حماية ما نحب.
نصرّ على الاستمرار، نتجاهل التحذيرات الداخلية، ونتصرف بطريقة غير متزنة، وكأن الرغبة تتحكم في كل شعورنا وتصرفاتنا.
الحياة، في لحظات كهذه، تصبح اختبارًا دقيقًا.
هل نسمح لشغفنا بأن يقودنا؟ أم نسمح للعقل بأن يرشّد خطواتنا؟
حين نتجاهل إشارات المنطق في البداية، نفتح بابًا صغيرًا للندم،
فالشيء الذي حلمنا به أصبح بعيدًا، ليس بسبب قسوة القدر، بل بسبب اختياراتنا نحن.
الفلسفة هنا تكمن في إدراك أن الرغبة ليست العدو، بل طريقة تعاملنا معها هي ما يحدد مصيرها.
الإنسان يحتاج أن يكون واعيًا لرغباته، أن يعرف متى يضغط ومتى يترك، متى يسعى ومتى ينتظر.
في هذا الوعي، تصبح الرغبة وسيلة للنمو، لا سببًا للخسارة.
قد يقول أحدهم: إن كل ما نحب قد يكون عُرضة للرحيل.
ربما… لكن الرحيل ليس فقط في الخارج، بل أحيانًا في داخلك، حين تترك الرغبة تتحكم بك، فتخسر الشيء قبل أن تمتلكه.
الصبر، الرصد الذاتي، والانتباه لنبرة العقل والمنطق، كلها أدوات تمنحك فرصة حقيقية للحفاظ على ما تحب.
هكذا، تصبح الرغبة درسًا فلسفيًا:
ليست مجرد شغف، بل مرآة تُظهر مدى قدرة الإنسان على التوازن بين قلبه وعقله،
بين الحلم والواقع، بين الرغبة والقدرة على الانتظار.
في النهاية، الرغبة ليست معضلة، لكن الطريقة التي نتعامل بها معها تصنع الفرق بين الخسارة المؤلمة والحصول المدروس على ما نريد.
وهنا تكمن حكمة الحياة: أن نعرف كيف نرغب، وكيف ننتظر، وكيف نعيش في توازن، حتى لا يتحول الحلم الذي نحمله في القلب إلى سراب يذهب بعيدًا.


