جدلية الروح والوعي: الفكر الفلسفي عند طعمة وجبران

مشغل الصوت
بقلم : محمد خالد الخضر
يتقاطع نبيل طعمة وجبران خليل جبران في رفضهما للشكل الخارجي للقيم والمؤسسات، وسعيهما للبحث عن الجوهر الإنساني المطلق. إلا أن نقطة انطلاق كل منهما تختلف جذرياً؛ فطمه ينطلق من العقل والوعي في محاولة لإعادة بناء الإنسان، بينما ينطلق جبران من الروح والطبيعة في محاولة لإعادة اكتشاف الجمال الكوني.
النزعة العقلانية والوعي الفردي (نبيل طعمة)
يُعدّ نبيل طعمة في هذا السياق شاعراً فلسفياً عقلانياً النزعة؛ أي يرى أن طريق الخلاص والوصول إلى القيمة الحقيقية يمر عبر التفكير الواعي والجهد العقلي الفردي والجماعي. الفلسفة لديه ليست ترفاً، بل هي ضرورة وجودية لتعريف الإنسان بذاته.
* فحص مفاهيم طعمة للقيمة:
* “العدالة ليست قانوناً، بل هي وعيٌ يزرع في النفوس.”
* التحليل: هذا النص يهاجم المفهوم الوضعي (القانون) ويستبدله بالمفهوم الأخلاقي الداخلي (الوعي المزروع). طعمة يرى أن العدالة المُطبقة قسراً عبر القوانين هشة، بينما العدالة الراسخة التي تنبع من الوعي الذاتي للإنسان هي الدائمة. هذا يؤكد نزعته التي تربط القيمة (العدالة) بالفعل الداخلي (الوعي).
* “الحرية لا تُمنح، بل تُكتشف داخل الإنسان.”
* التحليل: يرفض طعمة هنا مفهوم الحرية كهدية أو منحة خارجية (سلطة تمنحها)، ويؤكد أنها اكتشاف داخلي، أي عملية فلسفية وذهنية. الحرية لديه هي حالة وجودية تنبع من معرفة الذات والتحرر من القيود الذهنية قبل القيود المادية.
* الخلاصة: الفكر الفلسفي عند طعمة يهدف إلى تكوين إنسان مسؤول عن قيمه، مبني على أساس التفكير النقدي والوعي بالذات الإنسانية.
النزعة الروحية والوحدة الكونية (جبران خليل جبران)
في المقابل، يمثل جبران خليل جبران الصوت الرمزي والروحي الذي يرى أن الحقيقة تسكن في الوحدة الكونية وفي الارتباط بالطبيعة والروح المطلقة. فلسفته أقرب ما تكون إلى النزعة الرومانسية المتأثرة بالتصوف الشرقي والفكر المتعالي. إنه يبحث عن الجوهر عبر تصفية الروح والاتصال بالوجود الأكبر.
* فحص مفاهيم جبران للقيمة:
* “في قلب كل شتاء ربيع نابض، ووراء كل ليل فجر باسم.”
* التحليل: هذه العبارة تكشف عن رؤيته المتفائلة والرمزية للطبيعة، حيث تُستخدم ثنائية الشتاء/الربيع والليل/الفجر للتعبير عن الأمل والتحول الروحي. هذا الربط بين الظواهر الطبيعية والمشاعر الإنسانية هو أساس نزعته الرمزية التي تستمد حكمتها من قوانين الكون.
* “أولادكم ليسوا لكم، إنهم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها.”
* التحليل: يجسد هذا المفهوم محوراً مركزياً في فكر جبران، وهو رفض مفهوم الملكية والتبعية. الأبناء هم جزء من “الحياة المشتاقة إلى نفسها”، مما يرفعهم من مجرد ملكية عائلية إلى كيانات كونية مستقلة. إنه يدعو إلى التحرر الروحي والتعالي على القيود المادية والاجتماعية باسم الروح الكلية.
* الخلاصة: الفكر الفلسفي عند جبران يهدف إلى تكوين إنسان متسامٍ، يجد قيمه في الطبيعة والروح الكلية، متحرراً من قيود المؤسسات الأرضية.
المقارنة:
بينما استخدم جبران الروح كمنطلق لتحرير الإنسان من مادية الواقع وبحث عن التسامي الكوني، يستخدم طعمة العقل والوعي كأداة لتحرير الإنسان من الجهل والقبول السلبي، داعياً إلى الفعل الواعي والمسؤول. طعمة يوجه الإنسان نحو “فعل الوجود” في عالمه المعقد، بينما جبران يوجهه نحو “سكون الروح” في عالمه المتعالي.



