زيارة الرئيس السيسي لبروكسل والقمة المصرية الأوروبية في ميزان السياسة والانتماء الوطني

مشغل الصوت
بقلم بهجت العبيدي
شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل في الأيام الماضية حدثا وطنيا ودوليا استثنائيًا، يمثل محطة بارزة في مسار العلاقات بين مصر وأوروبا، إذ استقبلت الجاليات المصرية في مختلف الدول الأوروبية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي استقبالا حافلا، يتجاوز حدود البروتوكول الرسمي ليصبح لوحة حية للوفاء والانتماء الحقيقي للوطن. إن قيادة الرئيس السيسي الوفد المصري في القمة المصرية الأوروبية لم تكن مجرد قيادة لاجتماع بروتوكولي، بل كانت رسالة استراتيجية واضحة تؤكد المكانة التي باتت تحتلها مصر في قضايا الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية، ودورها الحيوي كشريك موثوق لأوروبا في محيطها الإقليمي والدولي.
لقد جاءت هذه القمة المصرية الأوروبية في توقيت بالغ الأهمية، حيث تتقاطع مصالح الأمن والهجرة والطاقة والتنمية الاقتصادية بين شاطئي المتوسط. وتؤكد القمة أن مصر شريك لا غنى عنه لأوروبا، ليس فقط لموقعها الجغرافي المتميز، بل لقدرتها على أن تكون حلقة وصل طبيعية وفعّالة بين القارة العجوز وإفريقيا والعالم العربي. كما أنها تعكس رؤية مصر الراسخة في بناء شراكات استراتيجية قائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، قادرة على تقديم حلول عملية للتحديات الإقليمية، وتعزيز الاستقرار في منطقة تمثل – منذ قديم الزمن – ميدانا مركزيا للسياسات في العالم.
وقد أبرزت هذه الزيارة قدرة مصر على إحداث توازن حقيقي بين القوة والسياسة والحكمة الاقتصادية، وجعلتها شريكا مؤثرا في ملفات الطاقة المتجددة، ومكافحة الإرهاب، وتنمية البنية التحتية، وتحقيق التنمية المستدامة التي تعود بالنفع على شعوب المنطقة بأسرها.
أما الجانب الشعبي لهذه الزيارة، فقد شكّل استقبال الجاليات المصرية في أوروبا للسيد الرئيس في بروكسل لوحة حيّة وفريدة، تجسد الانتماء العميق والولاء الخالص للوطن وقائده. فمن كل مدينة أوروبية: من باريس وبرلين إلى فيينا وبروكسل، ارتفعت الأعلام المصرية، وظهرت لافتات تحمل شعار الحملة الوطنية الرائدة: “وطنك أمانة”، لتجسد روح المبادرة والمسؤولية الوطنية التي يمثلها المصريون في الخارج.
هذا الحضور الجماهيري لم يكن عرضا شكليا، بل كان تجسيدا حيا للتواصل المستمر بين الوطن وأبنائه في الخارج، وعكس فهمهم العميق لدور مصر في محيطها الإقليمي والدولي. لقد أكد المصريون في أوروبا أنهم يمثلون امتدادا طبيعيا لقوة مصر الناعمة، ورسالة حضارية تتحدث عن الولاء والانتماء، وعزم أبنائها على المشاركة الفعلية في دعم قيادتهم السياسية ومصالح الوطن العليا.
ولم يكن هذا الحشد الكبير الذي وصل إلى بروكسل من حدب وصوب وليد الصدفة، بل جاء ثمرة جهود العديد من الجمعيات والاتحادات والروابط والمؤسسات الأهلية في أوروبا وكذلك حملة “وطنك أمانة” التي أطلقها الصديق نصر مطر منسقها العام والتي أتشرف بكوني منسقها العام في أوروبا. فقد ظهر التنسيق والتنظيم والتحفيز على المشاركة الوطنية التي شاهدها العالم كله بما تم نقله من صور على الهواء مباشرة لكل شاشات أوروبا والعالم العربي فضلا عن القنوات المصرية، ولم يكن يتحقق ذلك إلا من خلال التواصل والتنسيق المستمر مع أبناء الجاليات المصرية في مختلف العواصم الأوروبية، وتوحيد الجهود تحت شعار جامع يعكس وعي المصريين بالخارج بأهمية الاصطفاف خلف القيادة السياسية.
تتجلى أهمية هذه الزيارة أيضا في الفوائد المتبادلة بين مصر وأوروبا. فمصر، بما تمتلكه من موقع جغرافي مميز، وثروات بشرية واعدة، وبنية تحتية نامية، تشكّل بوابة أوروبية طبيعية إلى إفريقيا والعالم العربي. وفي المقابل، توفر أوروبا خبرات تكنولوجية واستثمارية ضخمة يمكن أن تسهم في تعزيز مشروعات التنمية والطاقة والبنية التحتية في مصر، بما يعود بالنفع على الجانبين ويحقق شراكة متوازنة ومستدامة.
إن هذه الشراكة لم تعد بعد هذه القمة مجرد طموح نظري، بل واقع عملي يتجسد في تنسيق السياسات الاقتصادية والاستثمارية، ومبادرات تطوير البنية التحتية والطاقة المتجددة، وإطلاق مشاريع مشتركة في مجالات التعليم والبحث العلمي والصناعات المتقدمة، ما يجعل التعاون المصري الأوروبي مثالا حيّا على قدرة الدول على تحقيق المصالح المشتركة في بيئة عالمية متغيرة ومعقدة.
وعلى الصعيد الوطني، فإن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي يبعث رسالة واضحة للعالم: أن حب الوطن وصدق الانتماء لا يقاس بالحدود الجغرافية، بل بعمق الوفاء والإرادة في رفع رايته عالية. لقد جسّد المصريون في أوروبا، من خلال مشاركتهم في هذا الحشد المهيب، الانتماء للوطن مؤكدين أنه لا يقتصر على الحضور الجغرافي، بل يمتد ليشمل المشاركة الفعالة في كل مناسبة وطنية تعزز صلة المواطن بوطنه وقيادته.
إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بروكسل والقمة المصرية الأوروبية تمثل درسا عمليا في السياسة الوطنية الذكية، والقدرة على بناء شراكات استراتيجية حقيقية، مع الاحتفاظ بالهوية الوطنية والثقة في المستقبل. كما تثبت أن المصريين في الخارج، وبفضل المبادرات الوطنية مثل “وطنك أمانة”، قادرون على أن يكونوا جزءا فاعلا من المشهد الوطني، يحملون رسالة الوفاء والانتماء أينما حلّوا.
تُبرز هذه الزيارة، بما تضمنته من دلالات سياسية وشعبية، قدرة القيادة المصرية الرشيدة على تحويل التحديات إلى فرص، وتعزيز مكانة الدولة في المحافل الدولية، مع تعزيز مشاعر الولاء والانتماء المتأصلة في قلوب المصريين، سواء داخل البلاد أو في الخارج.

