علي محمد الشرفاء يكتب: مبروك لإسرائيل!

مشغل الصوت
شهدت المنطقة خلال العقود الماضية مبادراتٍ ومؤتمراتٍ دولية عديدة هدفت إلى دفع عجلة السلام وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وكان مؤتمر شرم الشيخ أحد هذه المحاولات التي جاءت في توقيت دقيق وحساس. وبينما رآه البعض فرصة للحوار وتخفيف حدة الصراعات، قرأه آخرون من زاوية مختلفة، إذ أثارت بعض مخرجاته تساؤلاتٍ مشروعة حول مدى عدالة الحلول المطروحة، وضمانها لحقوق الشعوب المتضررة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
إن التوازن بين السعي نحو السلام والحفاظ على الحقوق التاريخية والسياسية أمر جوهري، ولا يمكن تحقيق سلام دائم دون معالجة جذور الصراع، والانطلاق من مبدأ العدالة والاحترام الكامل لكرامة الإنسان وحقه في أرضه وقراره.
تمّت الفرحة، وتبارى العرسان، وتنافس المطربون، يتسابقون حاملين الطبول، بينما يُتوَّج ترامب إسرائيل لتُقدَّم للعالم دولة راعيةً للسلام، في مشهدٍ يعيد تشكيل الصورة ويطمس الجرائم، لتُروَّج إسرائيل قائدةً للمنطقة نحو مستقبل “سلميّ”.
وقد حققت حماس بدفعها للشعب الفلسطيني، في لفت أنظار العالم بالاعداد الهائلة من دماء آلاف الشهداء من الأطفال والعجائز والنساء وكأنما كل هذه الدماء كانت واجبة — ليُفرض على المجتمع الدولي الاعتراف بأنّ السلام لا يمكن أن يُبنى على حساب الحقوق
وحين ترتفع ستارة المسرح السياسي، وتُوقَّع إعلانات تبدو كأنها خطوات نحو السلام، يخشى كثيرون أن تكون في حقيقتها تقنينًا لفقدان الأرض وتجاوزًا لملفّ الدولة الفلسطينية. ومع توالي الاعترافات والبيانات، تزداد المخاوف من أن يُغلق نهائيًا ملفّ حقوق الشعب الفلسطيني، ويبدأ مشهد جديد من إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية بما يخدم مصالح قوى دولية كبرى.
ومن بين أبرز المؤشرات التي تثير الشكوك، الحديث عن تشكيل لجان دولية تحت إشراف أطراف كانت ذات يوم جزءًا من قرارات أثّرت على شعوب المنطقة، بل وأُعيد تقديم بعض الشخصيات المثيرة للجدل في مشهدٍ جديد، يمنحهم أدوارًا “محايدة”، رغم تاريخهم الذي لم يُنسَ.
في الوقت ذاته، ظهرت طروحات تتعلق بإعادة تنظيم النفوذ في الشرق الأوسط، وبدت بعض المشاريع وكأنها تمهّد لتكريس واقعٍ جديد تُمنح فيه إسرائيل أدوارًا مركزية في ملفات الأمن والاقتصاد، وخصوصًا ما يتعلق بالثروات الباطنية في البحر المتوسط ومناطق النزاع.
أما ما يُثار حول حماية بعض دول الخليج، فيثير تساؤلًا جوهريًا: ممن تحتاج هذه الدول إلى الحماية؟ وهل بات أمن المنطقة يُصاغ من خارجها؟ ما يُقال عن “الحماية” لا يخلو من نبرة فوقية لا تنسجم مع مبدأ السيادة الوطنية. إن أمن الخليج والمنطقة العربية يجب أن يُبنى على التعاون الإقليمي، والشراكة الحقيقية، لا من خلال التصريحات المتكررة التي تصور العرب كأنهم عاجزون عن حماية أنفسهم.
إن أي مقارنة بين تصريحات المسؤولين الأمريكيين وبين واقع السياسة على الأرض، تكشف عن ازدواجية مؤلمة. فحين نتذكّر ما حدث في العراق، وما رافق ذلك من دمار ومعاناة، لا يمكن تجاهل الأسئلة التي تُطرح حول التزام هذه السياسات بالقيم الإنسانية والدولية التي يُفترض أنها تدافع عنها.
لقد آن الأوان لأن يُعاد النظر في طبيعة العلاقات الدولية، وأن يتعامل العرب مع العالم من موقع الندية والاحترام المتبادل، لا من موقع التبعية أو الحاجة إلى “الحماية”. فالتاريخ أثبت أن الأمن الحقيقي لا يتحقق بالوصاية، بل بالاستقلال، وبناء القدرات الذاتية، وتحقيق التكامل العربي.
إن مسؤولية المرحلة الراهنة تتطلب موقفًا عربيًا موحدًا، يُعيد للقضية الفلسطينية أولويتها، ويؤسس لتحالف استراتيجي حقيقي، قوامه الاستثمار في الإنسان العربي، وتنمية اقتصاداتنا، وتعزيز التعاون العسكري والأمني بما يخدم شعوبنا.
نريد اتحادًا عربيًا حقيقيًا، لا شعارات ولا أمنيات، بل خطوات عملية نحو تكامل اقتصادي، وجيش عربي موحّد، قادر على حماية كل شبر من أرضنا، والدفاع عن كرامتنا ومستقبل أجيالنا.
ولمن يظن أن صداقات الخارج قد تكون البديل، نقول: العلاقات الدولية يجب أن تُبنى على المصالح المتوازنة والاحترام المتبادل، لا على منطق الهيمنة واستنزاف الثروات.
لقد حان الوقت لتحديد أولوياتنا كعرب: من هو شريكنا الحقيقي؟ ومن يقف معنا حين تُسفك دماء شعوبنا؟ ومن الذي يروّج للسلام، لكنه يغضّ الطرف عن العدالة؟
سؤال يجب أن يُطرح بجرأة في كل محفل، وفي ضمير كل مواطن عربي.