ثقافة وفنون

رؤى خطَّها قلمُ السياسة في الأزمة – للباحث الدكتور نبيل طعمة

مشغل الصوت

قراءة وإعداد: محمد خالد الخضر

 

في الكتاب الذي صدر عام 2012، قدَّم الدكتور نبيل طعمة بحثًا فكريًّا ألقى من خلاله الضوء على الواقع بعد السعي لتشويه الشخصية العربية، لتكون في مهبِّ الريح بعيدًا عن التفكير بالنجاح، فتلهث فقط وراء لقمة العيش. وهذا ما يسعى إليه الغريب عن فكرنا، الذي يسير في شعابه كما يشاء ويُسيطر عليه.

ويحاول الباحث طعمة مواجهة هذا الغريب الذي يبثُّ أفكارًا مُغرضة، ويتجلَّى ذلك من الغرب. فمن الصحيح قيام المواجهة وتثبيت حقِّنا التاريخي في الوجود، ومعرفة الآخرين بذلك.

ويرى الباحث أن الممالك والسلطنات والإمارات لم تمتلك يومًا إلا ثقافة الاستهلاك، وثقافة البناء والهدم والبيع والشراء. وهذا ما يُخطط له المشروع الأوروبي والأميركي وأدواته المذكورة.

والغاية النهائية: تقويم الفكر الصهيوني الكياني الحاضن ليهودية الدولة القادمة، لإثارة غبار الفتن العربية والإسلامية، والإعداد لتشتيت الأمة العربية، وتقوية الابتزاز السياسي، وتنشيط الأدوار العربية والمستعربة والأعرابية. مؤكِّدًا على دور الثقافة الذي تراجع مع الفوضى وتعرَّض للغزوات الثقافية الحاملة لشكل الاستعمار الجديد، يُبث ويُقدَّم بين الحين والآخر، في وقت وصلت فيه الثقافة العربية إلى حدِّ الاستهلاك، بينما يمتلك الآخرون الثقافات والعلوم بأنواعها. لذا فلا بدَّ من الإصلاح الاجتماعي وتجاوز التخلف بما فيه الاقتصادي، وصولًا إلى الإصلاح السياسي وقوّة الثقافة والكلمة. وهذا ما يبدو واضحًا في المناطق التي تُشكِّل خطرًا على الكيان الصهيوني، مثل سوريا ولبنان وما يقف معهما من فلسطين. وهذا أكثر ما تقوم به أمريكا بمساعدة دول أخرى لإخضاع المنطقة إلى سياستها.

ولفت الدكتور طعمة إلى ضرورة الردِّ العربي بالعلم، وحكمة المنطق، وإنسانية الإنسان، مستندًا إلى روحانية الأمكنة التي يعيش عليها والتي منها ظهرت الديانات جميعها. مبيِّنًا أن كل من يتجاوز حدوده الأخلاقية مع الشخصية العربية وحضورها العالمي على أرض الواقع، عليه أن يتحمَّل ردودنا الإنسانية وانتشارنا. ولابد أن يعلم أولئك المنسلخون عن إنسانيتهم من عالم الشمال والكيان الصهيوني أنهم ليسوا وحدهم يمتلكون لغة النقد والاستعلاء على العرب وشعوب عالم الجنوب.

وفي الكتاب يسلِّط الباحث الضوء على محاولة تخريب ثقافة العرب، وعلى ضرورة بقاء بعض الدول مثل فرنسا على منهج الجمال والثقافة الرقيقة ومحبة العالم لها.

وفي البحث اعتبر أن سورية هي جوهر خلاصات واقع معيشتنا، وهي أكبر منَّا جميعًا. فلا بد أن يُدرك السوري ذلك ويواجه ما يسعى إليه المتآمرون والعصابات، والعمل على وجود عدالة في كل المعطيات. فلا بد من الاندفاع إلى الأمن القومي العربي والحفاظ على وجوده، والانتباه إلى خطورة الكيان الصهيوني الذي زُرع بداخل المنطقة.

ورأى طعمة استمرار مقصّ سايكس – بيكو كما حصل في باقي الدول العربية مثل السودان، والخوف من العصا الغليظة التي تسيطر على أصقاع الأرض، والحروب التي تُشن عبر الطائفية والمذهبية والعرقية وغيرها. كما أشار إلى محاكم التفتيش بمؤامراتها المختلفة التي تحيكها أمريكا وبعض دول الغرب، وإلى الحصارات والعقوبات التي يتحملها الشعب العربي. مؤكدًا أن أحداثًا مثل إعدام صدام حسين على مرأى ومسمع الأمة كانت مشاهد يجب أن تكون عبرةً لمن يعتبر.

وأوضح الباحث أن فلسفة “الشرق الأوسط الكبير” تخضع لألعاب مختلفة، كما حصل في السودان وليبيا وتونس ولبنان. وبرغم كل ما جرى، يرى أن العالم العربي يتمتع بوجود الشباب وحضورهم، ولا بد من تحولات تقودهم إلى المقدمة. فكل ما حصل للأمة العربية قضايا تخص الكرامة الوطنية، وخاصة أن بعض تلك الدول تتقاسم المصالح مع أمريكا والغرب.

ورأى طعمة أن سورية هي وطن السلام والمحبة، لا يقف إنسانها عند لون أو معتقد أو طائفة أو مذهب. ففيها الفينيقي والكنعاني والآشوري والآرامي والسرياني والإسلامي والغسّاني والمنذري، واستمرار إيبلا وأفاميا وبُصرى وأوغاريت ورأس شمرا. وهي وطن السلام، استراح فيها يوحنا المعمدان وخالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وابن عربي والمعرّي والحمداني ونزار قباني، وانتشرت فيها لغة الحب، إضافة إلى وجود الأبطال الذين وقفوا في وجه الاستعمار. فسورية في قمة البهاء والقداسة.

وبيَّن الدكتور طعمة أن هناك فرقًا بين المفكِّر ومتداول الرأي، فهما لا يلتقيان. وحين يرمي المرء برأيه جزافًا دون تخصّص ينعكس الأذى على وطنه، كما فعل بعض الأدعياء تجاه القضية الفلسطينية.

ودعا طعمة السوريين إلى استنهاض حكمتهم أمام المغتربين والمدّعين، والتماسك في وجه المؤامرات ليستمر الوطن بشرف. فالعالم يحتاج إلى علاج مكثف بعد جنون سادته في الشر والحرب والضغينة والحقد والادعاء بالديمقراطية الكاذبة كما تفعل أمريكا. ولتجاوز الصعاب لا بد من ظهور المتمكّنين ومواجهة الواقع والسير إلى الأمام.

فالسوريُّ مُغامِرٌ في كلِّ شيءٍ إلَّا بوحدتِه ونسيجِه الذي يُشكِّلُ له قدسيَّةَ حضورِه الأزليّ، وهذا ما يُميِّزُه، على الرغم من تشابُهُه مع الذين يتفاعلون بمصداقيَّة، فهو حاضرٌ بإنسانيَّةٍ كاملة.

وفَضَحَ طُعمةُ ما يفعله المُندَسّون والحُثالةُ و”الشبِّيحة” الذين رَكِبوا الأمواج، والتكفيريُّون الذين يتبادلون الظهور عبر وسائل إعلاميَّة مختلفة، مُبيِّنًا – في حوارٍ مع جريدة الرأي – رفضَ الفِتن ومَن يُشعلُها، مؤكِّدًا أنَّ الجميع معنيُّون بحُبِّ الوطن، وأنَّ علينا كسوريِّين أن نتفاعلَ مع السياسة والأحداث، ونُسهمَ في نشأة سورية وتطوّرها. فالحرِّيَّة تتحدَّث بمنطق الإرادة التي تُؤمن بإنجاز الجديد المتطوِّر، وبضرورة تحديد المسؤولين عن الفوضى ومحاسبتهم.

وبيَّن طُعمةُ مفاتيحَ السياسة الدوليَّة والدُّوَل المهيمنة عليها، وفلسفةَ مَن يحكمُ الشُّعوب، مُحذِّرًا من فلسفةِ الأذى، وبرمجةِ الإساءة، والنفاقِ العالمي، والابتزازِ السياسي، وما تتعرَّض له سورية أرضًا وشعبًا عبر التاريخ؛ حيث امتصَّ السوريُّون كثيرًا من الأذى. كما بحث طُعمةُ في مكوِّنات تطوّر فعل السيادة، القادمة من جوهر السيِّد السائد، الظاهر بين الجميع لتميُّزه بالمكانة والجاه والمنزلة، النابعة من حكمته وبصيرته اللتين هما في صُلبِ التشكيل لسدادِ رأيِه المؤدّي إلى تنفيذ أوامره.

وحلَّلَ الباحث صورةَ الغزو الثقافي القائم على تدمير الفكر العربي، والاستباحة الحربيَّة، والاحتلال، وتفشِّي “الدين العاطفي” ليبقى جامدًا لا يتطوَّر. فالإيمانُ وَفاء، والمحبَّةُ قُوَّة؛ ولابُدَّ من حماية الجهود الإنسانيَّة، إذ إنَّ الثقافةَ والحضارةَ والأخلاقَ سِماتٌ تترسَّخُ في جوهر الإنسان.

واستنتج طُعمةُ أنَّ الحضاراتِ عند العرب تتطوَّر بمنهجها العلمي، وبظهور أجيالها القادمة، وعلْمانيَّتِها وعِلميَّتِها. وهذا يُساعدها على مواجهة الغزو الثقافي وغيره، ممَّا تفعله أمريكا ومَن معها، من خلال إعادة الدول العربيَّة والمستعرِبة. فلابُدَّ من الوعي النَّهضوي الحقيقي.

 

وفي بحثِه قال طُعمة: إنَّ طفوَ الطائفة السياسيَّة على سطح أيِّ جغرافيَّةٍ يؤدِّي إلى الانهيار الأخلاقي، بينما الفكرُ العلمي أو الفلسفي – الذي يُشكِّل جوهرَ العلوم – يؤدِّي إلى مجتمعٍ ناجح. فالإنسانُ خلاّق من خلال إيمانه بصحيح المكوِّنات، ليُطوِّر ذاتَه متحوِّلًا إلى مُبدِع. وعليه أن يُدرك السالبَ والموجبَ في داخله ويعرفَ إلى أين تصل النتيجة.

 

وكشَفَ طُعمةُ سعيَ العالم الغربي الأوروبي والأمريكي إلى قيام دولةٍ دينيَّة يهوديَّة، كانت ضمن إطار وعد بلفور وتقسيم سايكس – بيكو، ومحاولةَ عزل الدين الإسلامي والمسيحي عن العلْمانيَّة.

وختم بالتأكيد على ضرورة امتلاك مفاتيح الإصلاح، ومعرفة مواقع العجز الاقتصادي، وإنتاج صناعاتٍ سياحيَّة وأخرى متنوِّعة لبناء القوّة، وإدراك كُرهِ أمريكا ومَن معها لنا. وهذا يتحقَّق بالمحبة والمساواة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى