ثقافة وفنونمقالات

بلوغ الإتقان في التصنيف

مشغل الصوت

بقلم الدكتور علي زين العابدين الحسيني

مِن أبرز ما يحول دون بلوغ الإتقان في التصنيف أو الكتابة في وقتنا الحاضر: ندرة المراجعات الحقيقية، وقلة القراءات النقدية المنصفة للأعمال العلمية، وقد صار الناس في هذا الباب على طرفي نقيض: فإما صديق يُغدق عليك الثناء مجاملةً، فلا تكاد تظفر منه بكلمة نقد واحدة، وإما خصمٌ يتصيد العثرات، ويُلبسها ما ليس فيها، وكلاهما لا يُعوّل عليه في بناء الكاتب أو ترقيته.

أما النفع الحقيقي فهو عند ذلك الشخص المنصف، الذي لا يُحابيك ولا يُعاديك، وإنما ينظر في عملك بعين الموازنة، فيصدقك القول، ويشير إلى مواضع النقص دون تجريح، ويُثبت مواطن القوة دون مبالغة، وهؤلاء قليل، لكنهم مفاتيح التقدم العلمي، ومرايا صادقة يرى فيها الكاتب حقيقته، لا صورته المتخيلة، وما أقلّ هؤلاء!

وقد جربت ذلك بنفسي يوم عرضت على أستاذنا الجليل محمد رجب البيومي أمرًا علميًّا كنت قد اجتهدت فيه، فلم يُظهر الأستاذ لي إعجابًا، ولم يثنِ ثناء المجاملين، لكنه نظر إليه بعين الأستاذ الكبير المفيد، ثم وجّهني توجيهات عميقة، لمست آثارها فيّ بعد حين؛ فكان موقفه مثالًا للناقد الرشيد: لا صمت المجاملة، ولا قسوة الهدم، وإنّما كلمة توجيه تحفظ للعلم هيبته، وللناشئ مثلي أمله في التميز.

وما زلت أوقن أن أمثال هؤلاء هم من يعينون الكاتب على أن يعرف قدره، ويقف على موضعه، ويتلمس سبل الارتقاء دون غرور أو يأس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى