نظام البكالوريا: بين العدالة التعليمية وضغط الامتحان الحاسم

مشغل الصوت
بقلم: حميدو حامد صقر
عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية
يُعد نظام “البكالوريا” أحد أقدم وأشهر أنظمة التقييم في التعليم الثانوي، وهو معمول به في دول عديدة أبرزها فرنسا، والمغرب، وتونس، والجزائر، وعدد من الدول الإفريقية والفرنكوفونية، بل وتقترب بعض تجارب التعليم في العالم العربي من استلهام روحه. ومع استمرار الجدل حول تطوير نظم التعليم، يطفو نظام البكالوريا إلى السطح كبديل “مرن وحازم” في آن، يثير الإعجاب لدى البعض والقلق لدى آخرين.
ما هو نظام البكالوريا؟
البكالوريا ليست مجرد شهادة، بل هي امتحان وطني موحد يجتازه الطالب في نهاية المرحلة الثانوية، ويُعد الفيصل في تقرير مستقبله الجامعي. يعتمد على اختبار تحصيلي شامل يشمل المواد الأساسية حسب الشعبة (علمية – أدبية – تقنية – إلخ)، ويُبنى عليه القبول في الجامعات والمعاهد العليا.
نقاط القوة: عدالة وتكافؤ
من أبرز مزايا هذا النظام أنه يرسّخ مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص، حيث يخضع جميع الطلاب لاختبار واحد، بمعايير موحدة، لا تفرقة فيها بين منطقة وأخرى أو مدرسة وأخرى. كما يُعتبر شهادة ذات وزن دولي .
إذ تفتح أبواب الدراسة في جامعات أجنبية دون الحاجة إلى اختبارات إضافية.
علاوة على ذلك، يُنمي نظام البكالوريا مهارات التفكير النقدي والتحليل المنهجي لدى الطلاب، لأنه لا يكتفي بالأسئلة المباشرة، بل يتطلب فهمًا عميقًا للمناهج وربطًا بين المفاهيم.
الوجه الآخر: الضغوط ومحدودية التقييم
رغم هذه الإيجابيات، إلا أن الوجه الآخر للبكالوريا لا يخلو من الإشكالات. فالنظام يعتمد بشكل كبير على امتحان نهائي مصيري، ما يُسبب ضغطًا نفسيًا هائلًا للطلاب، خصوصًا أن فرص النجاح أو الفشل ترتبط بيوم الامتحان فقط، دون مراعاة لأداء الطالب على مدار العام.
كما أن النظام لا يراعي المهارات غير الأكاديمية كالأنشطة العملية أو المهارات الفنية والإبداعية، مما يُهمّش طاقات كبيرة لدى بعض الطلاب ممن لا يتفوقون في النظام التقليدي المعتمد على الورقة والقلم.
مقارنة مع نظام الثانوية العامة في مصر
إذا عقدنا مقارنة سريعة بين نظام البكالوريا ونظام الثانوية العامة في مصر، نجد الآتي:
أن البكالوريا و الثانوية العامة في مصر..
طبيعة الامتحان وطني موحد بنظام الشعب . ووطني موحد لكن دون تمييز شُعبي واضح
التقييم يعتمد على التحليل والفهم يميل إلى الحفظ والتلقين
فرص التقييم التراكمي موجود جزئيًا في بعض الدول غائب تقريبًا
والشهادة معترف بها دوليًا شهادة قومية مصرية فقط
الضغوط النفسية مرتفعة بسبب مركزية الامتحان مرتفعة أيضًا لنفس السبب
إمكانية التطوير قابلة للتحديث والانفتاح و تخضع لتجارب مستمرة لكنها متعثرة
ورغم وجود اختلافات بين النظامين، فإن كليهما يعاني من التركيز على امتحان واحد مصيري، ما يُحتم على صانعي القرار في مصر إعادة التفكير في آليات التقييم بدلاً من الاقتصار على تطوير شكل الامتحان فقط.
نحو رؤية أكثر توازنًا
ليس المطلوب استنساخ نظام البكالوريا كما هو، بل إعادة التفكير في فلسفة التقييم برمتها. فالمستقبل التعليمي لا يجب أن يتوقف على اختبار واحد، بل على منظومة تقييم شاملة تعكس الجهد والمهارة والتنوع في قدرات المتعلمين.
نظام البكالوريا – رغم عيوبه – يُعد تجربة رائدة، يمكن البناء عليها، وتطويرها لتناسب الواقع العربي. فليست القضية في النظام، بل في كيفية تطبيقه ومدى عدالة الأرضية التعليمية التي يقوم عليها.