ثقافة وفنونمنوعات

الرصيف الأدبي … قراءة انطباعية لقصيدة الشاعر ناظم حسون

بقلم رئيس تحرير مجلة رصيف 81 المهندس فادي جميل سيدو

 

كتب الشاعر ناظم حسون

 

تــمــر اللـيـالـي واللـيـالـي كــمـا هــيــا

تـمـر وتـحـيـي فـي الـمـشـوق الامانـيـا

 

وانــظــر للامــال صــرعى كــلــيـمـةً

ولم اقـض منها فـي اصطباري مراميـا

 

ومـا كـان حـبـل الـوصل بـيـني وبينها

فــلا انـــا لاقـيــت الامـانـي ولا هــيـا

 

ســلام عـلـيـهـا ايــن مـا كــان بـيـنـنـا

كــأنـي بـحبـل الـودّ قـــد كـان واهـيـا

 

فـلا كـان وعـد الـوصل والعهـد قـائما

ولا ابـقــت الايــام مـــا كــان بـاقــيــا

 

ســلام علـيهـا كــم رمـتـني سـهـامـهـا

كــأن عــذاب الـنـأي مـا كــان كـافـيـا

 

ولـو كـنت اسـطـيـع النـوى مـا سـألتها

ولا كـنـت امّــارا ولا كـنـت نـــاهــيـا

 

فـمـا بـال عـذالي اشــاحـوا عــيـونهـم

ومـا ابـصروا مني الـذي كـنـت رائـيا

 

فـطورا اراهـم عــن يــمينـي تحـلـقـوا

وطـورا اراهـم قــد اقـامــوا شـمـالـيـا

 

هـو الهـجـر يـلهـو بـالـمحبـين مـثـلـما

يـريدون ان نـشقـى ونلـقـى الـدواهـيـا

 

حنـانيـك يـا دنيا وقـد ذقـت فـي الـنوى

كـما ذاق قـيـسٌ فـي هـواه الـغـواشـيـا

 

وما كنت ارضى الهجر لو كان امرها

فلا هـي قـد ترضى وما كـنت راضيا

 

سـلام على الـعشاق فـي حـلبة الـهوى

وقــد ظـمئوا والوصل ما زال نـائيـا

 

ذكــرتـك والالام تـجـتـاح خــاطـري

وذكـرنـي الـعــذال مـا كـنـت نـاسـيـا

///////////////////////////////////////////

في هذه الأبيات الشعرية، يستخدم الشاعر ناظم حسون لغة شاعرية معبّرة. ترسم صورة للحالة الإنسانية المعتركة بالآمال والأحلام والذكريات. يُظهر حسون مدى تأمله في تقلبات الدهر ومرور الأيام دون أن تتجسد الأماني والطموحات على أرض الواقع، مما يولّد شعوراً بالحنين إلى ما كان يُحتمل من وصال ولقاء. تُعبر الأبيات عن حالة العجز والصبر في مواجهة القدر والزمن الذي يُمضي دون شفقة أو رحمة، حيث يفصل بين الذات الشاعرة وبين تحقيق الأماني. وعلى صعيد التصوير اللغوي والبلاغي، يتجلى الأسلوب الرمزي في استخدام حبل الود إيحاءً بالعلاقة الهشة التي كانت تربط بين الشاعر وأمانيه، وهو ما يتميز بالعمق الوجداني والدقة في نقل الحالة النفسية المرهفة. وفي إطار نقد وتحليل القصيدة، يُمكن الإشارة إلى ذلك العمق في استخلاص المعاني والصور الشعرية التي تشهد على رهافة حس الشاعر وتجليات تجربته الذاتية الغنية.

يقدّم الشاعر ناظم حسون في قصيدته هذه تصويراً بليغاً لمعاناة الفراق وآلامه، جاعلاً من تجسيد اليأس وخيبة الأمل محوراً رئيساً في نصه الشعري. في القصيدة، يتحدث الشاعر عن خلفية الوعود التي لم تستقر على واقع ثابت، حيث تكون الأيام قد أحالت كل ثبات إلى زوال. وفي تقدم الأبيات، يشير حسون إلى الألم الذي كانت تسببه له محبوبته، مستخدماً التشبيه في وصف سهام رميها نحوه، ما يبرز مدى الألم الذي شعر به الشاعر. تسلط عبارة “فلا كان” الضوء على حقيقة أن البعد والنوى لم يكن بالإمكان تحمله، رغم أنه لم يكن ليطلب القرب لو كان بالإمكان. ويرمز لهذه العبارة بعد ثلاث أبيات إلى رفض المحيطين لمعاناته، وكأنهم أغمضوا أعينهم عما يعتريه من وجد وشجن، مما يعكس عزلته وحيرته في عالم يخيم عليه الإنكار والإعراض.

بذلك، يجمع ناظم حسون في هذه القصيدة بين الحزن العميق وتقلبات القدر، مستخدما المفردات التي تلامس بعمق مظاهر الحنين والأسى، ومتوسلاً أساليب البديع في إبراز جماليات اللغة والإحساس.

شهد الأدب العربي الحديث إبداعات متجددة من الشعراء الذين عكفوا على استثمار موهبتهم الشعرية لتصوير حالات إنسانية متعددة، ومنهم الشاعر ناظم حسون الذي يبرز كإحدى الأصوات الشعرية المؤثرة في الوسط الأدبي. في قصيدته التي يقول فيها: “فطورا أراهم عن يميني تحلقوا…”، يناجي حسون حالة الهجر والألم العاطفي الذي يعتصر النفس البشرية. يمكن القول إن الشاعر هنا يستلهم من البيئة الصحراوية والأساطير العربية، حيث يفصل التجربة الذاتية والشعور بالوحدة والغربة. يميل النص إلى اتباع الأسلوب الكلاسيكي في الشعر العربي مع استخدام رمزية تعكس الوجدان الإنساني، إضافة إلى التشبيهات التي تعطي القصيدة بعدًا وجدانياً رفيعًا. يبرع حسون في نقل صورة الحب الصوفي والتشبيه بين معاناة النفس العاشقة وتجربة قيس في الغزل العذري. يكمن التحدي الرئيسي في تحليل هذه القصيدة في فهم كيفية تمازج الصور الشعرية والجرس اللغوي مع العاطفة والخبرة الشخصية للشاعر، وتأويلها في سياقها الأدبي والثقافي. في مقاربتنا النقدية لهذا النص، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والنفسية التي يرسمها الشاعر من خلال استخدامه للغة شاعرية رصينة، تؤكد على قدرة الشعر على التعبير عن أعمق المعاني الإنسانية. من خلال هذا التحليل، نسعى إلى استقراء ليس فقط الجماليات اللغوية، بل أيضًا القيم الروحية والإنسانية التي تحملها أبيات الشاعر ناظم حسون.

وفي الختام، يستحضر الشاعر ناظم حسون في قصيدته النبض العميق للعواطف الإنسانية، ويكتب بأسلوب رقيق ينبض بالحنين والعشق. يسلّم حسون في آخر قصيدته التحية للعشاق الذين يصارعون في مضمار الحب، مؤكدًا على لوعة الفراق وصعوبة الوصال. يتكرر موضوع الظمأ وغياب الوصل كمثال للحرمان والشوق العميق، وكأن الشاعر يدعو القارئ لإحساس المحبين بعذاب الانتظار. وفي البيت الآخير، ينتقل الشاعر إلى الحديث عن الذات ومعاناتها، حيث تهاجمه الآلام مجددًا عند تذكر الحبيب، وهنا يبرز تأثير الذكريات والعتاب، حتى أن الأعداء يذكّرونه بما كان يحاول نسيانه. من خلال تحليل نص القصيدة، يمكن التوصل إلى فهم أدق للبنية الفنية، حيث يستخدم حسون صورًا شعرية غنية ولغة تجسد الألم والشوق بشكل يلمس القلب، وتعكس الأبعاد المختلفة لمشاعر الشاعر من خلال نسج الكلمات والصور في نسيج بديع من العاطفة الصادقة.

 

فادي جميل سيدو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى