أبحاثتكنولوجيامنوعات

الذكاء الاصطناعي صنع مجموعة صور لأجساد أنثوية كاملة أرعبت الرجال

صورتها امتدحت باستفاضة في فضاء الإنترنت لكن التناسق المخيف لجمالها يخبرنا أشياء عدة عن الرجال وقد يحرك مكامن القلق لدينا

لقد وصلنا إلى نقطة تفرد نوعي مرة أخرى [التفرد هي الظاهرة الشديدة التميز والندرة إلى حد أنها قد تصنع قفزة نوعية]. وعلى مر القرون، تكهن العلماء والفلاسفة وجيمس كاميرون في أفلامه، بأن التكنولوجيا ستصنع الحدث في الأفق. [إشارة إلى أفق الحدث، وهو المصطلح العلمي المستعمل في الإشارة إلى المنطقة المحيطة بالثقب الأسود]. ويتمثل ذلك الحدث بقدوم اللحظة التي يتفوق فيها الذكاء الاصطناعي على العقول الضعيفة التي ولدته، فيؤسس نظاماً عالمياً جديداً، ينتهي عادة بحرب كونية واستعباد البشر. لحسن حظ الجنس البشري هذه المرة، فإن القفزة التكنولوجية الأخيرة لا تشمل منح الروبوتات قدرة فائقة على التفكير والقتال وهزيمة أعدائها، لكنها تنطوي على قدرتها على إثارة أقصى الشهوة الجنسية لدى الرجال.

في الأقل، هذه هي القصة التي تتردد في زوايا محددة في شبكة الإنترنت. “هذا أمر مبالغ فيه جداً”، علق أحد مستخدمي تويتر بحماس على منشور انتشر كالنار في الهشيم هذا الشهر وتضمن عرض مجموعة من النساء أنشئن بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، تمتلك كل واحدة منهن خصراً نحيلاً، ووجهاً بملامح طفولية، وثديين كبيرين.

صممت الصور لتبدو كصور فوتوغرافية حقيقية، حيث ترفع بعض “النساء” أيديهن كأنما لإعطاء إيحاء بأنها صور سيلفي التقطنها بأنفسهن، لكن لا وجود فعلياً لهؤلاء النسوة، أو في الأقل يقتصر وجودهن على كونهن تجميع صور وجوه وأجساد حقيقية جرى تزويد الذكاء الاصطناعي بها كي يتعلم الماهية المفترضة لمظهر المرأة الجذابة. ثمة أمر وحيد يدل على أنهن أنشئن بواسطة الكمبيوتر يتجسد بعدم قدرتهن المدهشة على رفع الأصابع والأيدي بدقة. يدفعنا ذلك الأمر إلى استحضار التفاصيل التشريحية للخربشات التي يرسمها طفل في دفتره، وبالمقدار نفسه، تذكر صورة عارية لإحدى النجمات.

لكن ما الشيء “المبالغ” فيه تحديداً الذي يراه أولئك الرجال؟ هل يتمثل في التفضيل الجنسي لصور نساء “حقيقيات” على الصور المصممة رقمياً؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك؟ بالتأكيد إنها مسألة مهمة. ففي العام الماضي، أنشئ تجمع على منصة “ديسكورد” باسم “أنستيبل ديفيوجن” [حرفياً، انتشار مضطرب] بهدف تدريب الذكاء الاصطناعي على إنتاج مواد إباحية أفضل. لا تعني كلمة “أفضل” في هذه الحالة تلافي الأخطاء الدقيقة المرعبة في تصميم الأجساد، لكن أيضاً تصميم أشخاص “مثيرين أكثر”، مع ملاحظة أن ذلك هو مقياس ذاتي يستمر في فتح المجال أمام بعض المفاهيم الإشكالية حول ما يعتبر جسداً جذاباً.

سيكون للتأثير النفسي الناجم عن تصنيع خيارات لا حصر لها من المفاتن الأنثوية “المثالية” قدرة كبيرة على إحداث الضرر. يعتبر هذا الكلام صحيحاً على وجه التحديد إذا كانت كلمة “مثالي” تصور الكمال الجنسي على أنه أنثى بيضاء نحيلة تفتقر تماماً إلى الإرادة الجنسية أو الشعور بالمتعة كأنثى يتجاوز الرغبة في إمتاع الرجال. تقدم المعطيات السابقة نماذج عن مشكلات أكبر تواجهها الحركة النسوية في القرن الحادي والعشرين، وسيتطلب العمل المستمر من أجل تحرير أجساد النساء من فكرة كونها وسيلة مذعنة هدفها إرضاء الشهوة الذكورية.

تدرك نيس كوبر، المعالجة والاختصاصية الجنسية، تلك المشكلات جيداً، لكنها تحرص أيضاً على الإشارة إلى أن المخاوف الأخلاقية التي لا يمكن تبريرها، رافقت على مر التاريخ التطورات التكنولوجية الجديدة. ووفق رأيها، “بشكل عام، حينما يشعر الناس بالقلق تجاه الأجهزة الرقمية التي تركز على الجنس والإثارة الجنسية، يظهر تخوف من أن ذلك [سيوصلنا] إلى عالم بائس [يسلب] استقلالية الإنسان. في المقابل، إن عدداً من هذه الأشكال التكنولوجية قد اندمج في حياتنا وعلاقاتنا وحياتنا الجنسية قبل وقت طويل من أن يحدث ذعراً أخلاقياً أو يصبح موضة تتناقلها وسائل الإعلام”.

قد تنبئنا بذلك حقيقة أن ردة الفعل الأولية للمجتمعات الرأسمالية تجاه التطورات في مجال الأتمتة تتمثل دوماً بالخوف، لا الارتياح أو حتى الشعور بالبهجة. تشير كوبر إلى أنه حينما أصبحت الصور الإباحية المنشأة حاسوبياً شائعة للمرة الأولى، شعر الناس بالقلق تجاه أمور مشابهة، كإمكان أن تنتزع اللمسة الإنسانية حينما يتعلق الأمر بالإثارة الجنسية أو العواطف المرتبطة بالجنس. وتضيف كوبر، “نعلم أن ذلك لم يحدث، وأشك بشدة بأنه سيكون هناك نموذج إباحي يسيطر على الجميع، لأن أدمغتنا لا تعمل بهذه الطريقة حينما يتعلق الأمر بالتخيلات الجنسية والصور الإباحية. ببساطة، نحن جميعاً مختلفون ونستمتع بأشياء مختلفة”.

قد تثبت بعض التطورات التكنولوجية أيضاً أنها وسائل آمنة لإرضاء “الأشياء المختلفة” التي يستمتع بها الناس، وقد تكون مرحة وظريفة ومثيرة بطرق ليس بمقدور الصور وروبوتات المحادثة المنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي خلقها بعد. أليكس سيم وايز، هي عارضة تبلغ من العمر 41 سنة شملت مسيرتها المهنية أغلفة المجلات والعمل التلفزيوني وإنشاء حساب ناجح على منصة “أونلي فانز” الشائعة في مجال ترفيه البالغين. وتحدثت إليها أثناء استراحتها من العمل على تحرير فيديو يظهرها في بيئتها الطبيعية أكثر، إذ يصورها وهي تركض في الحديقة واضعة قناعاً لفرقة “سليبنوت” لموسيقى الـ”ميتال”. إنها ترى أن الجدل المثار حول الأصلي في مواجهة الاصطناعي في مجال العمل الجنسي، ليس سوى خلاف مغلوط.

وأسرت لي أن، “هناك قسماً فرعياً بالكامل من منشئي المحتوى الذين يعدلون هوياتهم. أعتقد أن منشئي المحتوى على منصة “أونلي فانز” يستخدمون فعلياً [هذا النوع من التكنولوجيا] في بعض الأحيان من دون أن يعرفوا ذلك حقاً بفضل كل التطبيقات التي نستخدمها لتحرير محتوانا. إنها عبارة عن ذكاء اصطناعي وتصبح كذلك بشكل أكبر. ومثلاً، يحتوي برنامج التحرير الذي أستخدمه على خيار “التحرير باستخدام الذكاء الاصطناعي” يمكنه جعلك شخصاً مختلفاً قليلاً”.

صورة تدمج سوبرمان مع الرجل الوطواط من صنع الذكاء الاصطناعي  (بلو ويلو)

 

على كل حال، تبقى الإنسانية جزءاً أساسياً من التفاعل بين مقدم المحتوى والمشتركين. لقد نشرت لورا لاكس، وهي منشئة محتوى موجه للبالغين، تغريدة على “تويتر” أخيراً تورد فيها أنها ليست قلقة من صعود المواد الإباحية المنشأة باستخدام الذكاء الاصطناعي، ولا سيما أن فكرة “أونلي فانز” تستند بشكل أساسي على الشخصيات. وجاء في تلك التغريدة، “لا يشترك الناس في حسابي على “أونلي فانز” لأنهم يريدون مشاهدة أي فتاة عارية، بل يشتركون لأنهم يريدون مشاهدتي أنا تحديداً عارية، وذلك بناءً على تواصل شبه اجتماعي تكون من خلال متابعتي على منصات تواصل اجتماعي أخرى”. انتقلت لاكس إلى صناعة المحتوى الموجه للبالغين، شأنها شأن منشئي المحتوى الآخرين في الموقع، بعد أن اشتهرت على منصات تواصل اجتماعي تصنف بوصفها مناسبة أكثر للفئات العمرية الأصغر، حيث كان متابعوها ينجذبون إلى شخصيتها ومظهرها على حد سواء. تضيف لاكس، “لا يمكن لـ[ثديي] شخصية أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي أن يكونا مثيرين بقدر [ثديي] فتاة تشترك في قناتها على “يوتيوب”، لا يهم قدر الكمال أو الجاذبية التقليدية للصورة المنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي”.

واستطراداً، فمع أنه من غير المرجح أن تحكم تكنولوجيا كهذه سيطرتها على صناعة المواد الإباحية، إلا أن المجال مفتوح للتعاون بين الذكاء الاصطناعي والعاملين الحقيقيين في مجال الجنس. بالنسبة إلى سيم وايز، المصابة بالتوحد التي تقر بأنها تعاني كي تتمكن من الحديث مع معجبيها، ثمة جاذبية كبيرة لإمكانية استبدال الجزء المتعلق بالمحادثة في عملها، خصوصاً مع استمرار روبوت المحادثة “تشات جي بي تي” Chat GPT والبرامج المماثلة في اكتساب قوة الجذب والسهولة في الاستخدام. وتعترف بذلك، “أعتقد أنني إذا استطعت استبدال ما أجريه من محادثات، بتلك التي يصنعها الذكاء الاصطناعي، فسأؤدي عملي بشكل أفضل غالباً”. إذا استطاع الذكاء الاصطناعي إنجاز القسم المتعلق بالمحادثة والإثارة الجنسية أيضاً، فإن النتائج قد تؤدي إلى تمكين العاملين المتنوعين في مجال الجنس بأكثر من تحجيم دورهم.

بحسب سيم وايز، “يتمثل ما لا يدركه الأشخاص الذين لا يفعلون ذلك، هو أن الناس سيمارسون العادة السرية باستحضار أي شخص كان. سيفعلون ذلك أثناء مشاهدتهم صورة مذيعة الأخبار الجوية في التلفزيون أو البائع المفضل لديهم، أو شخص يقابلونه يومياً. لا يمكننا ضبط المواد التي تثير الرغبة الجنسية لدى الناس”. بالتالي، ثمة شيء لم يتغير هو القدرة البشرية المذهلة على الشعور بالإثارة من الأفعال الشاذة الأكثر وحشية وغرابة، وهنالك مجال للاحتفاء بهذا التنوع عندما يأتي القبول والاحترام في المقدمة.

كخلاصة، لا يزال من غير الممكن إنكار الجانب المظلم في التلاعب الرقمي، لا سيما مع التزايد المقلق في أشرطة الإباحية المصنوعة بتقنية التزييف العميق التي تثير مشكلات كثيرة تتعلق بمفهوم الموافقة، لكن قطعاً، على غرار تكنولوجيات حديثة عدة، تكمن احتمالات تحولها كابوساً مزعجاً أو أداة مفيدة، في الطريقة التي نختار استخدامها بها.

ووفق كلمات ختامية من كوبر، “إذا استطاع الذكاء الاصطناعي المساعدة في ذلك، فسيكون الأمر جيداً. إنه موجود في حياتنا منذ وقت طويل، أكثر مما يعتقد به كثيرون، وسيبقى”.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى