مختاراتمنوعات

لأنها هي الأعمق  …….قصة قصيرة

……قلم د هشام محفوظ

 

لأنني أحاول قدر المستطاع أن أكون وفيا..لم أنس حتى الآن عبارتها لي وهي تؤكد أننا – معا – إذ نعشق الأدب فلن نستطيع أن نعطيه ما يستحقه من عشق إذا أكملنا هذه القصة التي بيننا و أتممناها بالزواج..

الكتابة مغامرة ، فهي تحتاج إلى قدر غير يسير من القدرة على المكاشفة والتجريب و المجازفة..

فعل الإبداع الحقيقي لا يأتي إلا في غموض وتعقيد وتشابك آلام لحظة ما .

ما في قلبينا لن يتسع لذلك..

صدقني..

إنه هذا الشعور الذي ينتاب المدخن عندما يكون مصابا بنوبة برد حادة فيكون شعوره منقسما بين الرغبة في التدخين والألم الشديد الذي يؤلم حلقه ويجعل إحساسه بعملية التذوق للطعام أو للتدخين تكون على غير المعتاد.

إذ تكون عملية سحب دخان من السيجارة كمن يسحب بفمه لهيب جمر متقد .. أو كمن يستنشق الأتربة والأدخنة في ركام قصف محتقن بسموم الغضب ..

أقول لغير المدخنين وللمدخنين أيضاً:

هذا هو شعور القاص و الأديب والكاتب وكل مصاب بفعل الكتابة الحقيقية اليوم..

قاطعني قائلا (ولا تقل لي من هذا الذي قاطعك؟ لأنني حتى الآن لم أحدد من هو بالضبط) :

من فضلك لا تقل كل قاص وشاعر وكاتب وأديب ، فهناك مِن هؤلاء مَن قد تصالحوا مع الموقف .

إنهم يكتبون فقط ولا يعنيهم أي شيء من كل هذا .

الكتابة في حد ذاتها متعة .

ولا يلتفت الكاتب المستمتعُ باستخراج لآلئ أفكاره من مكامنها على سطح شاشة الكمبيوتر أو على الورقة لمثل هذه الأمور، أو لمثل هذه الأسئلة التي لا تسمح له بالدخول لما بعد البوابة السحرية للإبداع :

لمن أكتب ولماذا أكتب ؟

وما الفائدة التي يمكن أن تعود على نفسي وأسرتي وحاضري ومستقبلي من الكتابة؟!

فيكون لديه تلك الرغبة الشديدة في التدخين تحت تأثير هذا النيكوتين والقطران اللذينِ قد استوطنا دماءه و أعصابه و عقله ، فيدفعانه دفعا إلى إشعال النار في سيجارة يمتص نيرانها الحارقة لحلقة وضلوعه ، دون أن يشم تلك الرائحة التي كان يشمها بدون إصابته بالبرد بكل ما فيه من صداع ، و شئ من اكتئاب ، و رشح وسعال وفقدان شهية إلا للسيجارة .

لقد جابهتَ في يوم ما تلك اللحظة التي افترقتُما فيها ، إذ قلقتَ أنت وهي على أن تفتقدا متعة الإمساك بالقلم و الإذعان لصوت الأفكار والكلمات للتعبير عن شئ حقيقي وصادق آنذاك .

اجعل لنفسك مع سيجارتك تلك اللحظة ؛ أن تشك في ماهية ما تحسه وما تراه الآن ..

سهل أن تتخذ قرارك..لقد كانت هي منذ عقود شجاعة وساعدتك على أن تكون مثلها شجاعا.. قررتما معا أن تفترقا..

اليوم و أنت تلهث إلى استخراج هذه الصور الهائمة في ضبابها بحثا عن بوابة العبور إلى عالمنا المعاصر المحاصر بأدخنة الصورايخ وضجيج الأباتشي و دبابات الميركافا و القرارات الغليظة من الدول العظمى التي تدين الطيور وتواجه حراكها وتحليقها بحثاً عن حريتها..

تصارع وجودها لتقرر هي بنفسها للحدائق و للفضاء أنها لا لزوم لها.. أو على الأقل أن تقرر أنه لا حاجة لجناحيها أو لجناح من أجنحتها!!

راقب ذكرياتك جيداً ، طالعها كما تطالع كتاباتك القديمة..

بكل ثقة قل يا صديقي:

هي المثير الفعال حتى الآن لكل عمل حقيقي..و لأبلغ المستوى اللائق الذي أريده بشأن الفعل الإبداعي، سأعمل بنصيحتها ذات يوم..لن أندفع إلى كتابة ما ليس له لزوم وعيني الآن تراها تصفق لي وهي تقول:

أخيراً..

لقد مرت فترة طويلة دون أن تكتب كلمة..

وما زلت أبحث عن علبة السجائر..

هل لتلك الذكريات مقدرة هي الأخرى على إخفاء علبة التبغ كما كانت هي تفعل قبل أن نفترق ؟

ربما..ولم لا..

لأنها هي الأعمق.

٧-١١-٢٠٢٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى