رئيس التحريرسياسة

سوريا بعد سقوط النظام: تحديات المرحلة المقبلة بين مطامع الخارج ومعاناة الداخل


بقلم بهجت العبيدي رئيس التحرير

 رؤية تحليلية للأزمة

لطالما كان موقفي ثابتًا ومعلنًا: لم يكن دعمي يومًا لنظام بشار الأسد، أو لأي نظام استبدادي آخر. همي الدائم وانشغالي المستمر هو الحفاظ على الدول العربية: مؤسساتها الوطنية، وشعوبها، بعيدًا عن الانقسامات أو التدخلات الخارجية التي تهدد مقدرات الأوطان وترابها المقدس. اليوم، ومع انهيار نظام الأسد وهروبه إلى جهة مجهولة، تدخل سوريا مرحلة غاية في الخطورة، حيث تتسابق القوى الإقليمية والدولية على ملء الفراغ السياسي، ما يجعل وحدة الأراضي السورية واستقرارها في مهب الريح.

فراغ السلطة: مخاطر متعددة

سقوط النظام في دمشق بعد إعلان الفصائل المسلحة المعارضة سيطرتها الكاملة على العاصمة، بما في ذلك القصر الجمهوري ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ترك البلاد في مواجهة فراغ سياسي خطير. هذا الوضع يفتح الأبواب أمام سيناريوهات كارثية، تتراوح بين تفكك الدولة وتقسيم أراضيها، وبين تحويلها إلى ساحة صراع بين قوى دولية وإقليمية تسعى لتحقيق أجنداتها الخاصة.

روسيا وإيران: خسائر استراتيجية 

روسيا وإيران، الحليفتان الرئيسيتان للنظام السوري، تكبدتا خسائر كبيرة مع سقوطه. روسيا، المنهمكة في حربها ضد أوكرانيا، لم تعد قادرة على تقديم الدعم العسكري والاقتصادي الذي كان يعول عليه النظام السوري. أما إيران، فواجهت ضربات موجعة من إسرائيل أضعفت نفوذها في المنطقة، مما جعل انهيار النظام السوري بمثابة ضربة قاصمة لاستراتيجيات طهران وموسكو في الشرق الأوسط.

إسرائيل: استغلال الفراغ لتحقيق المكاسب 

في ظل الفوضى التي تعيشها سوريا، تسعى إسرائيل إلى استثمار انهيار النظام لتعزيز نفوذها، خاصة في الجولان المحتل. إن تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول “نهاية الأسد” إنما تعكس رؤية إسرائيلية لمرحلة ما بعد النظام، حيث تسعى لفرض واقع جديد يخدم مصالحها الاستراتيجية. هذه الأطماع الإسرائيلية تشكل تهديدًا حقيقيًا لوحدة سوريا، ما يستدعي تحركًا عربيًا ودوليًا لحماية الأراضي السورية من التمزق.

تركيا: توسع النفوذ في الشمال السوري

لم يكن سقوط النظام السوري سوى فرصة ذهبية لتركيا لتعزيز نفوذها في الشمال السوري، خاصة مع استمرار دعمها للفصائل المسلحة المعارضة. رفض النظام السوري في السابق لأي وساطات لتحسين علاقاته مع أنقرة أفسح المجال أمام تركيا لترسيخ وجودها، مما يضع تحديات إضافية أمام استعادة سوريا لوحدتها واستقرارها.

الولايات المتحدة: غموض الموقف ودور منتظر 

على الرغم من سقوط النظام السوري، يبقى الموقف الأمريكي غير واضح. تصريحات دونالد ترامب حول “إزالة الأسد كخيار مطروح” تؤكد أن انهيار النظام لم يكن بعيدًا عن الحسابات الأمريكية. لكن غياب رؤية أمريكية واضحة لما يجب أن يحدث في سوريا يترك المجال مفتوحًا لتدخلات إقليمية قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلًا من حلها.

الشعب السوري: الضحية والركيزة الأساسية 

الشعب السوري كان ولا يزال الطرف الأكثر تضررًا من هذه الحرب الطويلة. لكنه في الوقت نفسه يبقى ركيزة أي حل مستقبلي. إن بناء دولة قوية ومستقرة يتطلب الحفاظ على المؤسسات الوطنية باعتبارها الضامن الوحيد لوحدة البلاد واستقلالها، بعيدًا عن التدخلات الأجنبية والأطماع الخارجية.

الفائزون والخاسرون في المشهد الجديد 

مع دخول سوريا مرحلة ما بعد النظام، يمكن قراءة موازين القوى كالتالي:

– الخاسرون: روسيا وإيران، اللتان فقدتا شريكًا استراتيجيًا في المنطقة.

– الفائزون: تركيا، التي عززت نفوذها في الشمال السوري، وإسرائيل، التي تسعى لاستغلال الفوضى لترسيخ سيطرتها على الجولان وتعزيز مكانتها الإقليمية.

رؤية مستقبلية: ضرورة الحل السياسي الشامل

إن الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها يجب أن يكون الهدف الأول لكل القوى المعنية. فالمستقبل السوري لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الخراب أو بمشاركة الأطماع الخارجية. إن الشعب السوري وحده يجب أن يقرر مصيره، بعيدًا عن الحسابات الدولية والإقليمية.

ولا شك أن المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته لوقف التدخلات الخارجية، وضمان مسار سياسي شامل يعيد لسوريا سيادتها واستقرارها. إن الأوطان ليست أنظمة ولا أفرادًا، بل هي شعوب ومؤسسات، والحفاظ عليها واجب يتجاوز كل الحسابات الضيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى