بقلم: بهجت العبيدي
مقدمة
تشهد سوريا تصعيدًا عسكريًا وسياسيًا متسارعًا، حيث تسيطر الفصائل المسلحة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، على مناطق واسعة في شمال البلاد، بما في ذلك مدينة حلب. هذا الوضع المعقد يتطلب تحليلًا دقيقًا لمواقف الأطراف المختلفة، سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية.
موقف الفصائل المسلحة
الفصائل المسلحة، وخاصة هيئة تحرير الشام، تسعى لتعزيز سيطرتها على المناطق الشمالية من سوريا. هذه الفصائل تستفيد من الدعم اللوجستي والعسكري من بعض الدول الإقليمية التي تقدم الدعم اللوجستي والعسكري للفصائل المسلحة في سوريا تشمل تركيا وقطر. تركيا، على وجه الخصوص، تلعب دورًا كبيرًا في دعم بعض الفصائل المسلحة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بما في ذلك منع تدفق اللاجئين إلى أراضيها وتأمين حدودها الجنوبية. قطر أيضًا تقدم دعمًا ماليًا ولوجستيًا لبعض الفصائل المسلحة كجزء من سياستها الخارجية في المنطقة، وتسعى الفصائل المسلحة لتحقيق مكاسب على الأرض لتعزيز موقفها التفاوضي في أي محادثات مستقبلية.
موقف الجيش السوري والقيادة السياسية
الجيش السوري، بدعم من روسيا وإيران، يحاول استعادة السيطرة على المناطق التي فقدها. الرئيس بشار الأسد يعتبر أن التصعيد الأخير يهدف إلى تقسيم سوريا وإعادة رسم خرائطها، ويؤكد على ضرورة مواجهة هذه التحديات بقوة. القيادة السورية ترى في الدعم الروسي والإيراني عنصرًا حاسمًا في الحفاظ على استقرار النظام واستعادة الأراضي.
موقف تركيا وإسرائيل
تركيا تلعب دورًا مزدوجًا في الصراع السوري. من جهة، تدعم بعض الفصائل المسلحة لتحقيق مصالحها في المنطقة، ومن جهة أخرى، تسعى لتجنب تصعيد قد يؤدي إلى تدفق المزيد من اللاجئين إلى أراضيها. إسرائيل، من ناحيتها، تراقب الوضع بحذر، حيث تعتبر وجود القوات الإيرانية في سوريا تهديدًا لأمنها القومي، وتقوم بشن ضربات جوية دورية على مواقع إيرانية داخل سوريا.
موقف إيران
إيران تعتبر سوريا حليفًا استراتيجيًا في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. تستمر طهران في إرسال المستشارين العسكريين ودعم القوات الحكومية السورية، وتسعى لتعزيز وجودها في المنطقة من خلال دعم النظام السوري.
موقف الولايات المتحدة وروسيا
الولايات المتحدة تدعو إلى خفض التصعيد وتؤكد على ضرورة حماية المدنيين والبنية التحتية، مشددة على أهمية الحل السياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. روسيا، من ناحيتها، تواصل دعمها العسكري للنظام السوري، معتبرة أن استقرار سوريا ضروري لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
الموقف الدولي
المجتمع الدولي منقسم حول كيفية التعامل مع الوضع في سوريا. بينما تدعو بعض الدول الغربية إلى خفض التصعيد والعودة إلى المفاوضات، تواصل دول أخرى دعم الأطراف المتصارعة لتحقيق مصالحها الخاصة. هيئة تحرير الشام تُعتبر جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، مما يعقد الجهود الدولية للتوصل إلى حل شامل للأزمة.
تحليل موقف القوى المتصارعة
الصراع في سوريا يعكس تداخل المصالح الإقليمية والدولية. تركيا تسعى لتحقيق مكاسب استراتيجية، بينما تحاول إيران تعزيز نفوذها في مواجهة إسرائيل. روسيا تدعم النظام السوري للحفاظ على مصالحها في المنطقة، في حين تدعو الولايات المتحدة إلى حل سياسي يضمن استقرار سوريا. هذا التداخل يجعل من الصعب التوصل إلى حل نهائي، ويزيد من تعقيد الوضع على الأرض.
السيطرة على المدن في المرحلة المقبلة
في المرحلة المقبلة، من المتوقع أن تشهد سوريا تصاعدًا في الصراع على السيطرة على المدن بين الجيش السوري والفصائل السورية المقاتلة. الجيش السوري، بدعم من القوات الروسية، سيواصل جهوده لتعزيز مواقعه في المدن الرئيسية مثل حماة وحلب. سيعتمد الجيش على الغارات الجوية المكثفة والهجمات البرية لاستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها مؤخرًا. تعزيزات عسكرية كبيرة قد تُرسل إلى المناطق الساخنة لضمان عدم تقدم الفصائل المسلحة أكثر.
من جهة أخرى، الفصائل السورية المقاتلة، بقيادة هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى، ستسعى لاستغلال أي ضعف في دفاعات الجيش السوري لتحقيق مكاسب جديدة على الأرض. هذه الفصائل قد تركز جهودها على المدن الاستراتيجية مثل حماة وحلب، حيث أن السيطرة على هذه المدن تفتح الطريق نحو مناطق حيوية أخرى مثل حمص ودمشق.
موقف العالم من تقدم هيئة تحرير الشام
تقدم هيئة تحرير الشام، المصنفة كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، يثير قلقًا دوليًا كبيرًا. المجتمع الدولي يواجه تحديًا في كيفية التعامل مع هذا التقدم دون تعزيز موقف الجماعات المتطرفة. الدول الغربية تدعو إلى خفض التصعيد وتجنب المزيد من الفوضى، لكنها تجد صعوبة في التدخل المباشر بسبب التعقيدات السياسية والعسكرية على الأرض.
روسيا، من ناحيتها، تواصل دعمها للنظام السوري لمواجهة تقدم هيئة تحرير الشام، معتبرة أن استقرار سوريا ضروري لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة. الولايات المتحدة تركز على الحلول الدبلوماسية وتدعو إلى مفاوضات سياسية شاملة، لكنها تواجه تحديات في تحقيق توافق دولي حول كيفية التعامل مع الجماعات المتطرفة.
تأثير الحرب في أوكرانيا على المساعدات الروسية لسوريا
تأثرت المساعدات العسكرية الروسية لسوريا بشكل كبير بسبب الحرب في أوكرانيا. مع تصاعد النزاع في أوكرانيا، اضطرت روسيا إلى إعادة توجيه جزء كبير من مواردها العسكرية والاقتصادية لدعم عملياتها هناك، مما أدى إلى تقليص الدعم المقدم للنظام السوري. أحد أبرز التأثيرات هو تقليل عدد القوات الروسية والمعدات العسكرية المتواجدة في سوريا، حيث تم نقل بعضها إلى الجبهة الأوكرانية. بالإضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا قد أثرت على الاقتصاد الروسي، مما جعل من الصعب على موسكو تمويل عملياتها العسكرية في سوريا بنفس الكفاءة السابقة.
خاتمة
الوضع في سوريا لا يزال معقدًا ومليئًا بالتحديات. الأطراف المتصارعة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، مما يجعل من الصعب التوصل إلى حل شامل ومستدام. يبقى الأمل في أن يتمكن المجتمع الدولي من التوصل إلى توافق يضمن استقرار سوريا ويخفف من معاناة الشعب السوري.