وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
بقلم / محموددرويش
إلى متى الحسد والكره يعلو النفوس.. ونحن أمة الإسلام؟ فلقد
قال الله تعالى فى كتابه الكريم (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) صدق الله العظيم. وقال رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ).
الحسد هو تمني زوال النعمة عن الآخرين وإتيانها للحاسد٬ صفة ذميمة في نفوس البشر إلا من رحم ربي تجري مجرى الدم في عروقهم أصبحت هي المتحكم في أفعالهم وتصرفاتهم والمسيطرة على قراراتهم وسلوكياتهم حتى أوصلت البعض لي درجة التفكير في الانتقام والبحث عن فرصة لذلك. فمن الناس من إذا رأى نعمة أنعمها الله عز وجل على أحد من عباده تحركت نفسه الخبيثة وغيرته القبيحة وبدأ يحسد في ذلك المسكين، وكان الواجب عليه أن يدعو الله لأخيه بالبركة فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده ويمنعه عمن يشاء بحكمته وعلمه سبحانه.
الحَسَدُ: هو البغض والكراهة لما يراه الحاسدُ مِن حُسْن حال المَحْسود، وهو مِنَ الأمراض القلبية التي تصيب بعض الناس بسبب الغيرة وعدم الرضا بقدر الله عز وجل. وفي “القاموس المحيط”: “الحَسَدُ مصدره حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه.. وحَسَّدَه: تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته، أو يُسلبهما”. قال القرطبي: “والحسد مذموم، وصاحبه مغموم، وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. وقال عبد الله بن مسعود: لا تُعادوا نِعم الله، قيل له: ومَنْ يُعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله مِن فضله.. ويقال: الحسد أول ذنب عُصِيَ الله به في السماء، وأول ذنب عُصِي به في الأرض، فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل”. وقال الشيخ ابن عثيمين: “الحسد: هو كراهة ما أنعم الله به على غيره، وليس هو تمني زوال نعمة الله على الغير، بل هو مجرد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره، فهذا هو الحسد سواء تمنى زواله أو أن يبقى، ولكنه كاره له، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: الحسد كراهة الإنسان ما أنعم الله به على غيره”.. والعَيْن: في اللغة مُشتقَّة مِن عانَ، والعَيْن هي عضو الإبصار والرُّؤية في الكائن الحيّ، وتُطلَق كذلك على الشَّخص الذي كانت ترسله العرب لتجسُّس أخبار الغير، والعَيْن تعني أيضاً إصابة الآخر بالعين، فيُقال: عانَ الرّجلَ، أي: أصابه بالعَيْن، فهو عائن، والعَيْن نوع من أنواع الحسد..
وأما الفرق بين الحسد والعَيْن: فالحسد أعم مِنَ العَيْن، فكل عائنٍ حاسد، وليس كل حاسد عائناً. والحاسد قد يحسد ما لم يره، والعائن لا يَعين إلا ما يراه والموجود بالفعل. قال ابن القيم في “بدائع الفوائد”: “والمقصود: أن العائن حاسد خاص، وهو أضر مِن الحاسد، ولهذا – والله أعلم – إنما جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن، لأنه أعم، فكل عائنٍ حاسدٌ ولا بد، وليس كل حاسد عائناً، فإذا استعاذ مِنْ شر الحسد: دخل فيه العَيْن، وهذا من شمول القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته، وأصل الحسد هو: بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها”. وقال ابن حجر في “فتح الباري”: “حقيقة العين نظَرٌ باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر”. وقال ابن الأثير في “النهاية”: “يقال: أصابت فلانًا عينٌ، إذا نظر إليه عدو، أو حسود، فأثَّرت فيه، فمرض بسببها”. وقال ابن كثير: “العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل”. وقال الشيخ ابن عثيمين: “العين والحسد ليس بينهما فرقٌ مؤثر”.
والإيمان بوجود الحسد أو العَين مِن عقيدة المسلم، فقد جاء الحسد والعَيْن في نصوص الوحْي مِنَ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، والأدلة على ذلك كثيرة، ومِنْ ذلك:
أولا: الأدلة من القرآن الكريم:
1 ـ قال الله تعالى حِكاية عن نبيه يعقوب عليه الصلاة والسلام مع أولاده: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(يوسف:68:67). قال ابن كثير: “يقول الله تعالى إخبارًا عن يعقوب عليه السلام: إنه أمر بَنيه لما جهَّزهم مع أخيهم بِنْيَامين إلى مِصْر، ألا يدخلوا كلهم مِنْ باب واحد، وليدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما قال ابن عباس وغير واحد: إنه خشي عليهم العَيْن، وذلك أنهم كانوا ذَوِي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم، فإن العَيْن حق.. وقوله: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} أي: إن هذا الاحتراز لا يَرُدُّ قدَر الله وقضاءه، فإن الله إذا أراد شيئًا، لا يُخالَف ولا يُمانَع.. {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} قالوا: هي دفع إصابة العَيْن لهم، {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} قال قَتادَة والثَّوْرِيّ: لَذُو عَمَلٍ بِعِلْمِه”. وقال السعدي: “وذلك أنه خاف عليهم العَيْن، لكثرتهم وبهاء منظرهم، لكونهم أبناء رجل واحد، وهذا سبب.. {مَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} فالمُقَدَّر لا بد أن يكون، {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} أي: القضاء قضاؤه، والأمر أمره، فما قضاه وحكم به لا بد أن يقع”.
ـ قال الله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}(القلم:51). قال ابن كثير: “قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: {ليُزْلِقُونك}: لينفذونَكَ بأبصارهم، أي: يَعِينُوكَ بأبصارهم، بمعنى: يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك، وحمايتُه إياك منهم، وفي هذه الآية دليل على أن العَيْن إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل، كما وردت بذلك الأحاديث المروية مِنْ طرق متعددة كثيرة”. وقال القرطبي: “{ليُزْلِقُونك} أي يَعْتانونك. {بِأَبْصَارِهِمْ} أخبر بشدة عداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأرادوا أن يصيبوه بالعَيْن”. وقال السعدي: “حرصوا (كفار قريش) على أن يزلقوه (النبي صلى الله عليه وسلم) بأبصارهم أي: يصيبوه بأعينهم، مِن حسدهم وغيظهم وحنقهم، هذا منتهى ما قدروا عليه من الأذى الفعلي، والله حافظه وناصره”.
3 ـ قال الله تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}(الفلق:5). قال الطبري: “{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ حَسَدِه به، فقال بعضهم: ذلك كلّ حاسد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ مِن شرّ عَيْنِه ونَفَسِه (حسده).. عن قتادة {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} قال: مِنْ شرّ عَينه ونفسه. قال معمر: وسمعتُ ابن طاووس يحدّث عن أبيه، قال: العَينُ حَقٌّ”. وقال السعدي:” وقوله: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} والحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله مِنْ شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العائن، لأنه لا تصدر العَيْن إلا مِنْ حاسدٍ شِرِّير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا”.