أبحاثتكنولوجيا

أميركا تسير على خطى الصين في إدخال الذكاء الاصطناعي إلى المحاكم

يترافق مع اقتحام الذكاء الاصطناعي مجال قياس عواطف البشر

بقلم أحمد المغربي “صحافي”

سيصغي الذكاء الاصطناعي إلى جدالات المحكمة مباشرة قبل أن يخبر موكله عن ما يجب قوله (غيتي)

هل تعدل شركة “دونت باي” DoNotPay الأميركية خططها المتعلقة بأول روبوت محام يترافع أمام محاكم أميركية، كي تستفيد من تقنية قياس الانفعالات العاطفية البشرية بواسطة الذكاء الاصطناعي التي قدمتها شركة “إيمو بوت” Emobot الفرنسية في “معرض لاس فيغاس لإلكترونيات المستهلك 2023″؟ إلى أي مدى استفاد الذكاء الاصطناعي الذي تدرب عليه الروبوت المحامي الأميركي من تجربة الصين مع إدخال ذكاء الآلات إلى قاعات المحاكم، مع البون الشاسع الذي يفصل النظامين والمجتمعين والآليات القانونية، في بكين الحزب الواحد وواشنطن المتوغلة في الديمقراطية؟ هل “يتلعثم” الروبوت المحامي في مرافعته الأولى أمام المحاكم الأميركية فيكرر الورطة التي وقعت فيها الأنثى الروبوت “صوفيا” حينما أعلنت في ظهورها الأول أنها قد تعمل على إفناء البشر؟

لا تمثل تلك الثلاثية من الأسئلة سوى غيض من فيض الإشكالات والنقاشات التي قد تتحرك في أذهان كثيرين، مع الإعلان عن موافقة محكمة أميركية، لم يكشف عن اسمها ولا موقعها، على استعمال روبوت “دونت باي” تحت قوس العدالة فيها، للمرة الأولى في الولايات المتحدة.

وتتمحور تلك المحاكمة حول دفع رسوم مخالفة سير وتجاوز الوقت المحدد لركن السيارة وفق ما حدده عداد إحدى ماكينات الـ”بارك ميتر”. ومن الطريف أن فكرة تأسيس شركة “دونت باي”، جاءت إلى مؤسسها جوشوا براودر إبان دراسته في جامعة بعد أن تكرر كثيراً حصوله على مخالفات ركن سيارة، بل تجمع لديه عدد كبير منها.

القانون الطبيعي ولعبة الذكاء “غير الطبيعي”

في 2015، فكر براودر في صنع برنامج مؤتمت يستطيع أن يراجع القوانين المتعلقة بتلك المخالفة، ويقدم نصائح عن طرق تفادي دفعها. وبالتدريج، تطور الذكاء الاصطناعي لذلك البرنامج، فبات من نوع “روبوتات المحادثة” [شات بوت Chat Bot]، أي إنه برنامج رقمي مؤتمت يستطيع التفاعل مع أسئلة الجمهور ويقدم إجابات عنها، استناداً إلى قاعدة بيانات ومعلومات تتوسع باستمرار.

وبالنظر إلى طبيعة التقاضي في المحاكم الأميركية، المتأثرة بنظيرتها الإنجليزية التي تعمل وفق ما يسمى “القانون العادي”، فإن وجود أداة ذكية تستطيع أن تراجع خلال ثوان قليلة، كميات كبيرة من السوابق والأحكام القضائية المرتبطة بها، سيشكل عنصراً وازناً فائق الأهمية والتأثير في مسار المحاكمة والمآل الذي تصل إليه. بديهي القول إن الذكاء البشري لا يستطيع إنجاز أمر مماثل. ولعل ذلك جزء من سجل هزائم البشر أمام صنيعتهم من الذكاء الاصطناعي، في الشطرنج ولعبة “غو”، إضافة إلى سرعة تمرسه في مجالات طالما اعتقادها البشر حكراً عليهم كالرسم.

واستكمالاً، إذا قيض للروبوت المحامي أن يتوغل في محاكمات أكثر تعقيداً، كتلك المتعلقة بالجرائم مثلاً، فلربما استفاد من تقنيات الذكاء الاصطناعي في قياس عواطف البشر، على غرار تلك التي قدمتها شركة “إيمو بوت” الفرنسية في “معرض إلكترونيات المستهلك، لاس فيغاس 2023” Consumer”s Electronics Show 2023. وفي ظل محاكمات تجري على الطريقة الأميركية، سيكون لتقنيات قياس مدى تأثر هيئة المحلفين بالأدلة والأسانيد والأقوال، شأن وازن. في المقابل، هل يفتح ذلك باباً واسعاً أمام التلاعب بالمحاكم عبر استخدام أدوات تقيس انفعالاتها وردود فعلها؟ هل يزيد ترسيخ العدالة؟ هل يخدم ترسيخ القانون في بلاد تعتبر المواطن كائناً دستورياً وقانونياً قبل كل شيء؟ الأرجح أن قائمة الأسئلة طويلة.

ومنذ 2015، اشتغل براودر على تطوير البرنامج وأرسى شركة “دونت باي” على نموذجه في الذكاء الاصطناعي. وفي الموقع الإلكتروني للشركة، يمكن ملاحظة أن نشاطها بات يضم مجموعة كبيرة من الـ”بوتات” متخصصة في أمور قانونية متنوعة، خصوصاً تلك التي تشمل نشاطات الحياة اليومية كالزواج والبريد والحيوانات المنزلية ووثائق الولادة وفواتير الأطباء والمستشفيات وغيرها.

طموح القانون و200 مليار دولار

ثمة جملة يتكرر ظهورها في عدد من المواقع الإعلامية كـ”نيويورك بوست” و”ياهو نيوز” و”دايلي مايل” و”بي بي سي”، تشير إلى أن براودر يقر بأن الذكاء الاصطناعي لن يلغي مهنة المحاماة، لكنه يطمح إلى نقل سوق المهنة القانونية “التي تبلغ قيمتها 200 مليار دولار، كي تصبح في أيدي الجمهور”.

الأرجح أن الطموح مطلوب في أحيان كثيرة. وكذلك فإن الخيال له دور هائل في صنع حضارة البشر، لكن يجدر تذكر أن الروبوت المحامي لن يكون على شاكلة الروبوت “صوفيا” أو غيرها من الروبوتات المادية. ولا يذهب الخيال بأحد إلى تصور أن الأمر يتعلق بوقوف آلة حديدية أمام منصة المرافعة. ووفق ما ورد آنفاً، يتكون المحامي الروبوت من برنامج رقمي ذكي، يثبت على الخليوي. وينقل إليه الحجج المقدمة من المحكمة ضد موكله، كي يقدم لأخير نصائح حول ما يجب أن يقوله، أو لا يقوله، بغية كسب القضية، تفادي دفع الغرامة!

استطراداً، لعله من المفيد تذكر فكرة شائعة قوامها أن المجتمع الأميركي لجوج في ما يخص التقاضي واللجوء إلى المحاكم والترافع أمامها. والأرجح أن فكرة اللجوء إلى محام دائمة الحضور في الحياة اليومية الأميركية. وسواء كان ذلك للأحسن أو الأسوأ، فالأرجح أنها أحد الملامح المرتبطة بالتجربة الديمقراطية الراسخة في أميركا. واستطراداً، لعله من الواضح أن النقاش عن تأثير دخول الذكاء الاصطناعي إلى مجال القانون في النظام الديمقراطي، أمر يحتاج إلى مساحات واسعة وممتدة.

في المقابل، ثمة تجربة للذكاء الاصطناعي مع البنية القانونية في المجتمع تجري في الصين. ويعرف عن النظام في بكين، منذ سنوات طويلة، أنه يكثر من استعمال التقنيات الذكية في ترسيخ سيطرته وسطوته وهيمنته على الناس وحياتهم اليومية. ومن يريد الاستزادة في هذا البعد في تلك العلاقة الشائكة للنظم والسلطات السياسية مع تطور ذكاء الآلات، قد يكون مفيداً الاطلاع على كتابات من نوع مقال “أوهام الذكاء الاصطناعي”، للكتاب الأميركيين هنري فاريل وأبراهام نيومان وجيرمي والاس، الذي ظهر في “فورين أفيرز”، عدد سبتمبر (أيلول)/ أكتوبر (تشرين الأول) 2022. ونشر على هذا الموقع ترجمة له يمكن الوصول إليه عبر هذا الرابط “أوهام الذكاء الاصطناعي”.

كابوس التسلط التقني

استطراداً، يجدر تذكر أن الصين كانت “سباقة في إدخال الذكاء الاصطناعي إلى أروقة المحاكم”، وفق تعبير في “دايلي مايل”. ففي يوليو (تموز) 2022، كشفت الصين أنها تستعمل التقنيات الذكية في “تحسين” نظامها القضائي. ولعله واضح لدى من يتابع الشأن الصيني، أن تلك الكلمة تشير إلى تدخل السلطة كي تجعل الأمور تسير وفق رؤيتها التي تعتقد، بالطبع، أنها الأحسن!

وحاضراً، يفرض القانون الصيني على القضاة مراجعة برامج الذكاء الاصطناعي المتخصصة في القانون، عند إصدارهم الأحكام في القضايا التي ينظرون فيها. وبالاسترجاع، أعلنت الصين في 2016 أنها بصدد تطوير “محكمة ذكية”، معتبرة أن ذلك يزيد في حياد وكفاءة وموثوقية النظام القضائي الصيني!

بين قوسين، ثمة شركة أميركية تسمى “ليزا” LISA تصف برنامجها في الذكاء الاصطناعي المتخصص في القانون، بأنه “أول روبوت محام محايد”، ما يذكر بالوصف الصيني الآنف الذكر. بالطبع، قد لا يزيد الأمر على رنين شكلي في الكلمات، خصوصاً مع تذكر أن الشركة تعمل في ظل النظام القضائي والتشريعي الأميركي. في المقابل، هل الحياد صفة ممكنة في برامج يتولى البشر صنعها وفق إرادتهم ومعرفتهم وتوجهاتهم وميولهم؟ مجرد سؤال أو بالأحرى، بداية لأسئلة شائكها حركها الخبر عن قبول ترافع أول برنامج مؤتمت “بوت” أمام المحاكم الأميركية خلال فبراير (شباط) المقبل.

نقلا عن صحيفة إنتبنتند عربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى