مختارات

زهور البازلاء… قصة قصيرة

بقلم المهندس عادل رفاعي

 

أبشر ياسيدى ، لك عندى خبر سعيد .. أخيراً وجدتها على رأى أرشميدس .. نعم بنت ناس غاية فى الطيبة ، أبوها صديقى من زمن طويل .. والصدفة الغريبة أنى فهمت من كلامه أن أخاها زميلك فى نفس الكلية والتخصص ودفعة التخرج أيضاً .. تساءل فى لهفة ” من ؟ ” وجاءه الجواب ” هانى .. أكيد تعرفه .. سافر للعمل بالخارج ولكن الأسرة عادت نهائياً لأرض الوطن وقابلت الأب صدفة ..” واستفاض محدثه فى ذكر محاسن العائلة الكريمة وتفاؤله بالصدفة التى جمعته بصديقه العائد من الغربة وكأنها مرتبة ترتيبأ إلهياً .

أغلق الهاتف بعد أن وافق أن يقوم محدثه بترتيب اللقاء مع أهل العروس المنتظرة ، لا بأس فهو فى منزلة الخال بالنسبة له .. وبدأ الانتظار بمحاولة استعادة ما قاله الخال بالتفصيل ، أسهب فى وصف العائلة ولكنه لم يصف العروس بكلمة واحدة وتساءل .. ألم يكن من الأفضل أن يريه صورة لها كما تفعل الخاطبة فى الأفلام العربية القديمة ؟.. وعن له خاطر مفاجئ .. ما دامت أخت هانى فلاشك أن بينهما بعض الشبه ، استعاد صورة هانى فى ذاكرته ، إنسان طيب ومهذب إذا سبه أحد بمزاح كعادة الطلبة احمر وجهه ورد بانفعال ” مخاصمك ..لا تحدثنى حتى آخر العام “.. ذو قوام نحيف وبشرة بيضاء وشعر مائل للإصفرار .. ولكنه .. خشن .. نعم خشن كفرشاة البلاط ، أما ابتسامته فتسفر عن صفين من الأسنان غير المنتظمة تبدو وكأنها قد خرجت فجأة كلها من فمه .. أما عيناه فتبدوان فى حجم صغير جداً خلف نظارته السميكة وإن كان قد استعاض عنها بالعدسات اللاصقة فى السنة الأخيرة .

عادت به الذاكرة سريعاً إلى المرحلة الثانوية ، تذكر تجارب ” مندل ” على زهور البازلاء ، حين تزاوجت الزهور الحمراء والصفراء وتوارث الجيل التالى صفات الأبوين بشكل تبادلى وكذلك الأرانب المختلفة الألوان .. ولكن مالنا و لزهور البازلاء والأرانب ، كانت هناك أمثلة للوراثة تخص الإنسان ، نعم كانت الأمثلة تقسم الصفات إلى صفات سائدة وأخرى متنحية والأغلب أن تظهر الصفة السائدة بوضوح فى أحد أفراد الجيل التالى كذلك قد تظهر المتنحية فى فرد آحر ثم يتقاسم باقى الأبناء الصفتين بنسبة تقترب من التساوى .. نعم يذكر جيداً أن الشعر المجعد صفة سائدة ولكن هل هو دائماً صفة سائدة أم أن ذلك يقتصر على المثال المذكور بكتاب المدرسة .. راح يطمئن نفسه أن كل هذا لا يعدو أن يكون مجرد احتمالات أما الواقع فيرجع إلى إرادة الخالق سبحانه وتعالى .

بعد ليالٍِ من القلق جاء الموعد وحاول أن يسأل خاله إن كان قد رأى العروس من قبل فلم يستطع وقال لنفسه و ما الفائدة من ذلك الآن ، وجد نفسه جالساً مع خاله فى حجرة استقبال فاخرة ، ظهر صاحب البيت بعد دقائق مرحباً ثم جاءت الزوجة فسلمت وجلست ، واستمرت عبارات الترحيب ومضى الوقت وعيناه تتنقلان بين الستائر والنجفة ثم تستقران على السجادة الفاخرة وهو يشعر بحبات العرق تتكون على جبينه تحت وطأة نظرات الوالدين الفاحصة .. وأخيراً ظهرت العروس ، مدت يدها مسلمة فى خفر وجلست بجوار الأم ، زاولته الرهبة رويداً عند تقديم الشاى والحلوى وبين رشفات الشاى راح يختلس النظر إلى الفتاة .. نفس قوام الأم النحيف ونفس البشرة البيضاء والشعر المصفر الذى ظهر جلياً من أطرافه المقصفة حجم المجهود المبذول فى فرده وتصفيفه .

وحين حدثه الأب من خلف نظارته السميكة ممازحا ورد على دعابته ابتسم الأب فخرجت أسنانه كلها خارج فمه وابتسمت الابنة فخرجت أسنانها بالكامل خارج فمها .. بدت له من شدة الشبه كأنها هانى وقد اطال شعره فتنحنح قائلاً ” وكيف حال الباشمهندس هانى ؟ ”

وعاد مندل يلح على ذاكرته ، فعلا تقاسم الولد والبنت الصفات الوراثية السائدة منها والمتنحية بالتساوى ولو أن للأبوين أبناء آخرون فلابد أن يكون أحدهم قد ورث فم الأم الصغير وشعر الأب الناعم .. أما الآخر فيرث .. ولكن .. ماذا يرث الآخر ؟

وجد نفسه يسأل بتلقائية ” وهل لديكم أولاد غير هانى وحنان ” ، هز الأب رأسه بالنفى .. مضى الوقت فى أحاديث التعارف المعتادة حتى نظر الخال إلى ساعته ونهضا مودعين الأسرة .

فى طريق العودة لفهما الصمت ، شعر بالراحة حين لم يسأله الخال عن رأيه بل اكتفى قبل مغادرته السيارة بعبارة مقتضبة .. ” فكر جيداً قبل أن تتخذ القرار ” .

●● تمت ●●

القاهرة ٢٠١٨

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى