ثقافة وفنونمختارات

الحدايـــــــة … قصة قصيرة

عادل رفاعي

وقفت أتأمل الجامع القديم بمئذنته الباسقة ونقوشها الرائعة ، سلمتان تقودانك عبر الباب إلى صحنه المنخفض عن الشارع ، تسللت نظراتى إلى الداخل فرأيت سجاداً جديداً قد استبدل بالحصير القديم المتآكل ، رفعت رأسى أرقب الحدآت تطوف كعادتها حول المئذنة ، ترفرف أجنحتها مرتين ثم تفردها وتحلق وأجنحتها ثابتة فى حركة بديعة وكأنها طائرات صغيرة بينما تبدو العصافير بجانبها فى طيرانها قصير المدى من سطح إلى آخر كإنسان يعبر طريقاً يغص بالعربات المسرعة ثم يقف على الرصيف المقابل ليلتقط أنفاسه لاهثاً .
ويتجه نظرى عبر الشارع ، فى الماضى هاجم المنطقة تجار الخشب كالتتار فاحتلوا دكاكينها ورويداً اشتروا شققاً بالأدوار الأرضية وحولوها لمخازن لأخشابهم ، أما الآن فقد تحولت المنطقة إلى سوق للأدوات المنزلية ، لم يكتف التجار بمحلاتهم بل افترشوا الأرصفة ، أحسست بالاختناق حين وقع بصرى على البيت القديم وقد تحولت شقتا الدور الأرضى إلى دكاكين ، فى الدور الرابع قام سكان الشقة بطلائها بلون مخالف لباقى المبنى فبدت نشازاً وبدت آثار الترميم واضحة على سور البلكونة .
فى البلكونة الفسيحة كنت أقف رافعاً بصرى إلى السماء وأتساءل :
– لماذا لا تكف الحدآت عن اللف حول المئذنة ؟
كانت إجابات الكبار كعادتها مختلفة فيجيب جدى :
– كل مخلوق على وجه الأرض يعرف صلاته وتسبيحه ، ربما كانت تصلى أو تسبح بحمد ربها ، ألم تسمع اليمامة فى الصباح الباكر وهى تقول ” وحدوا ربكم … وحدوا ربكم ” والكروان حين يصيح قائلاً ” الملك لك لك لك ياصاحب الملك ” ؟
وتجيب أمى :
– الحدأة لا تطوف حول المئذنة، إنها تراقب عشش الطيور فوق أسطح المنازل لعلها تظفر بفريسة ، كتكوت أو فرخ حمام ….. أو حتى فأر صغير .
أخيراً رأيت الحدأة عن قرب عند أول زيارة لى لحديقة الحيوان بعدها ، بالقرب من أقفاص الببغاوات حين أشار أبى إلى أحد الأقفاص قائلا :
– هاهى الحداية … هاهى … مكتوب على القفص ” حدأة مصرية ”
بعدها اقترب ولدان من زوار الحديقة يسألان ” ماهذا ؟ نسر أم صقر ”
وقبل أن يجيبهما أحد أدخل أحدهما إصبعه من خلال فتحات القفص فتلقى نقرة سريعة وقوية جعلته يسحب إصبعه مذعوراً ويقلب نظره فى الواقفين بذهول .
ويهمس أبى ضاحكاً :
” يظنها حمامة أو عصفور كبير بعض الشئ !! ”
بعد الزيارة وكما هى عادة الكبار كانوا يسألوننى ” شفت إيه فى جنينة الحيوانات ؟ ” فأحكى لهم ما حدث من الحداية ، ثم أقلد أبى فأقول ضاحكاً :
” فاكرها حمامة أو عصفورة كبيرة شوية ”
عدت لمراقبة المئذنة حتى انتبهت إلى صوت خشن يدعونى لإفساح الطريق لمرور عربة نقل تحمل المزيد من الأدوات المنزلية .

●●◇■◇■◇■◇●●

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى